للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (كلا لئن لم ينته.]

{كَلَّا} [العلق:١٥] ليس هذا الناهي على هدى ولا خير {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} [العلق:١٥] عن تماديه وظلمه للعباد وعن نهيه للعباد عن الصلاة: {لَنَسْفَعًا} [العلق:١٥] السفع: هو الجلد بشدة، وهو اللطم والتسويد كذلك، فالسفعة تطلق على اللطمة، وتطلق على التسويد، ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في وجه جارية لـ أم سلمة سفعة، أي: تغيراً وسواداً، فقوله: (لنسفعاً) معناها: لنلطمن أو لنسودن أو لنجلدن بشدة {بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:١٥] وهي شعر مقدم الرأس، أي: لنجلدنه من ناصيته بشدة.

قال الله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:١٦] يقول أهل التفسير: أطلقت الناصية وأريد بها صاحب الناصية، وإذا طرح

السؤال

لماذا وصفت الناصية بأنها كاذبة خاطئة؟ فالإجابة: أن العلماء من أهل التفسير قالوا: أريد صاحب الناصية أنه كاذب وخاطئ، أما إخواننا من أهل الطب فقد اكتشفوا أن الناصية فيها مركز للإحساس غير المخ إضافة إلى المخ، وثبتت أيضاً من الناحية التشريحية أن فيها مراكز إحساس ومراكز تحكم كالتي في المخ، فلا يمتنع أن يكون التشديد -على حد قوله- صدر من هذه الناصية فعلاً، هكذا ذكر، والله أعلم.

واستشهد لذلك من أحد الجالسين بأن الشخص إذا كان يفكر بأمر فإنه يضع يديه على مقدمة رأسه، والله أعلم.

قال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه} [العلق:١٧] لما هدد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبا جهل وقال له: (لو دنا لاختطفته الملائكة) ، فقال أبو جهل: (تهددني وتتوعدني يا محمد وأنا أكثر أهل هذا الوادي نادياً) ، وأهل النادي هم الذين يجالسونه في مجلسه، فقال: سأدعو العشيرة والأنصار، فقال الله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:١٧-١٨] وهم ملائكة العذاب، فالله قادر على أن ينتقم، ولكنها من باب الأسباب والمسببات.

قال الله: {كَلَّا} [العلق:١٩] ليس الأمر كما يظن أنه فائت {لا تُطِعْهُ} [العلق:١٩] فيما يأمرك به، ففي الآية نهي عن طاعة الكافرين، كما في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:١] ، فالشاهد: أن هذه الآية أيضاً أصل في أن كل من دعا إلى مخالفة الشرع لا يطاع ولو كان الأب، فإذا قالت الأم لابنها: لا تصل، لا تهتدِ، لا تأمر بالتقوى، وإذا قال الأب ذلك لولده فالله يقول: {لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:١٩] أي: اقترب من ربك، فإذا أمرك الأب بشيء يبعدك عن طريق الله ويوقعك في المعاصي فلا يطاع، فالله يقول: {كَلَّا لا تُطِعْهُ} [العلق:١٩] ، وفي هذا المعنى قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨] ، فكل من يدعو إلى خلاف هدي الله وهدي رسوله لا يطاع، قريباً كان أو بعيداً.

وفي قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:١٩] قولان للعلماء: أحدهما: (اسجد) معناها: صل، فأحياناً يعبر عن الصلاة ببعض أجزائها، كما قال تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:٢١٩] ، {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:٤٣] فـ (اسجد) عند بعض العلماء معناه: صل واقترب من ربك، فإن الصلاة وأنت فيها أقرب من ربك من كونك خارج الصلاة.

والقول الثاني: (واسجد واقترب) المراد بها: السجود على الحقيقة، فإنك إذا سجدت كنت أقرب إلى الله، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.