للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان خير البرية وشرها في الآخرة]

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [البينة:٦] هذا مصيرهم، {أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:٦] ، البرية: الخليقة، وفي المقابل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:٧] أي: خير الخليقة، فإن سأل سائل: من هم خير البرية؟ ورد في صحيح مسلم أن رجلاً نادى الرسول فقال له: يا خير البرية! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ذاك إبراهيم صلى الله عليه وسلم) ، فبنص الحديث خير البرية: هو إبراهيم، وبنص الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} ، وفي حديثٍ آخر قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم) ، فكيف يجمع بين هذه النصوص؟ أولاً: هي لا تعارض بينها، أما الذي قد يبدو فيه من التعارض فهو بين قول الرسول في خير البرية: (ذاك إبراهيم) ، وبين قوله: (أنا سيد ولد آدم) صلى الله عليه وسلم، فمن العلماء من يقول: إن الرسول قال في إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي قال قبل أن يخبره الله بأنه سيد ولد آدم، أو أن الرسول قال في شأن خير البرية: (ذاك إبراهيم) على سبيل التواضع منه صلى الله عليه وسلم.

أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم من خير البرية على الإجمال، وإبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم منهم.

{جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} [البينة:٨] أي: إقامة، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [البينة:٨] ، أي: وأحل عليهم رضوانه، كما في الحديث: (يا أهل الجنة! هل تريدون شيئاً؟ قالوا: وهل فوق ما أعطيتنا يا ربنا؟! قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) .

{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة:٨] ، ما معنى رضوا عنه؟ من العلماء من أجراها على ظاهرها، ومنهم من قال: رضوا عنه للثواب الذي أثابهم، والعطاء الذي أعطاهم، ومثل هذا في الدنيا -ولله المثل الأعلى- قد يعطيك شخص أموالاً، ومع إعطائه لك فأنت كاره له، ومهما يعطيك فأنت لست له من المحبين، ولست له من الشاكرين، وأنت تأخذ منه وتظهر له بأي مظهر رضاك عنه، لكن قلبك مليء ببغض هذا الشخص، وقد يعطيك شخص آخر وترضى عنه غاية الرضا، فمن العلماء من قال: رضوا عنه لثوابه إياهم، أو محبة منهم له سبحانه وتعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:٨] .

وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى والسلام عليكم.