للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتصاف المكذبين بظلم الأيتام والمساكين]

قال الله سبحانه وتعالى في سورة الماعون: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون:١-٢] (الدين) ، الدين هو البعث والجزاء، فالذي يكذب بالدين هو الذي يدع اليتيم، لكن هل كل من يدع اليتيم يكذب بالدين؟ لا يكاد ينعكس لما سيأتي، فالذي يكذب بيوم القيامة، وبالجزاء، وبالحساب، لماذا سيعطف على اليتيم؟ فإذا كان الشخص غير مقر بالبعث ولا بالجزاء، فلماذا إذاً سيكرم اليتيم؟ لذلك أذكّر دائماً بأن تقرير البعث في قلوب العباد، وتذكير الناس بالبعث وبيوم القيامة أصل في صلاح الناس، وفي حسن تصرفاتهم؛ لأن هذا المعتقد ينعكس على أفعال العباد: يمنعهم من السرقة والزنا والغش والخداع.

يقول الله سبحانه: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:١] أي: بالجزاء والحساب، هذا الذي يكذب بالدين يدع اليتيم، أي: يقهر اليتيم ويطرده طرداً شديداً.

{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون:٢] : فالدع هو الطرد والدفع بشدة، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور:١٣] ، وقوله: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ} [الماعون:٢] أي: يطرد اليتيم ويصرفه عن الأبواب.

قال الله: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:٣] ، هذه الآية فيها إشارة إلى أن دفع اليتيم وزجره من أعمال المكذبين بالدين، أي: من أعمال الكفار.

وإذا كانت هذه الخصلة من أعمال الكفار، وأنت مأمور ابتداءً أن لا تتشبه بالكفار ولا بأفعالهم، فعليك أن ترحم اليتيم، ولا تدفعه عن الأبواب، فالذي يدفع اليتيم عن الأبواب هو الكافر.

فعلى ذلك عليك أيها المسلم أن لا تطرد يتيماً عن بابك، ولا تستعمل العنف والشدة مع الأيتام، لأن ذلك من فعل الكفار، وهذا من محاسن ديننا، ومن أصول ديننا؛ فقد جاءت جملة أحاديث وآيات في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الصدد.

فقد أتت امرأة معها ابنتان إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تسألها الصدقة، فما وجدت عائشة في بيتها إلا تمرة، فأعطتها إياها، فأخذت المرأة التمرة فقسمتها بين ابنتيها، فتعجبت عائشة من صنعها، فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن، كن ستراً له من النار) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وفرق بين أصبعيه) .

وقد قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:٢٢٠] .

وقال الله في شأن اليتامى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة:٢٢٠] ، فإذا كنت قائماً على أيتام أو على أموالهم فأدبت الأولاد، واستثمرت لهم الأموال، فمن الصحابة من كان يتحرج عن التعاملات مع الأيتام تماماً خشية أن يقع في ظلمهم، فالله قال رفعاً للحرج عن هذه الأمة: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة:٢٢٠] أي: يعلم هل نيتك إصلاح للأيتام، ويعلم نيتك وأنت تضرب اليتيم هل تضربه للتأديب، أم تضربه استضعافاً له وإذلالاً له؟ قال تعالى: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:٣] أي: هذا الكافر من صفاته أنه لا يحث غيره على طعام المسكين، لأن الحض على أفعال الخير من خصال أهل الصلاح، أفعال الخير بصفة عامة والتحريض عليها من أفعال أهل الخير وأهل الصلاح، قال الله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال:٦٥] ، وقال تعالى في آية الفجر: {وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر:١٨] ، فمن خصال المؤمن أنه يحث غيره على فعل الخير، والذي لا يحث غيره على فعل الخير مذموم.

ومن خصال الكفار أنهم لا يحضون أو لا يتحاضون فيما بينهم على إطعام المسكين، فأنت يا مؤمن يستحب لك أن تحض غيرك على إطعام المسكين وعلى أفعال البر، فالمفهوم المخالف له اعتباراته في الاستدلال.