للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفسير بالأعم لا ينافي التفسير بالأخص]

من المفسرين من إذا فسر يفسر بالتفسير الأعم، ومنهم من إذا فسر يفسر بالتفسير الأخص، وهذان مسلكان للمفسرين، مثال ذلك ما ورد في تفسير (الغاسق إذا وقب) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة لما رأى القمر: (يا عائشة! استعيذي بالله من هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب) ، فورد أن الرسول فسر الغاسق إذا وقب بالقمر.

ومن العلماء مع ورود حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي فيه أنه فسر الغاسق إذا وقب بالقمر، قال: الغاسق إذا وقب هو الليل إذا دخل، وقال: لا تعارض بين تفسير الغاسق إذا وقب بالقمر، وتفسيره بالليل إذا دخل، فالليل إذا دخل يدخل فيه مجيء القمر، لكن دخول الليل فيه أشياء أخرى يستعاذ بالله منها: كانتشار الجن والشياطين، وانتشار الحيات والعقارب، وانتشار اللصوص، وهناك أمور تدبر في الليل كثيرة منها: ما يأتي من الغاسق إذا وقب، ومنها ما يأتي من القمر أو يأتي القمر معها.

فالشاهد: أن هناك من يفسر بالأعم، وهناك من يفسر بالنص الوارد عن رسول الله.

ونذكر مثالاً آخر: قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧] فسر الرسول صلى الله عليه وسلم التثبيت في الحياة الدنيا وفي الآخرة أنه إجابة المؤمن في قبره إذا سئل: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ديني الإسلام، نبيي محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن العلماء من فسر الآية: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} بتفسير أوسع فقال: هو التثبيت على الإيمان في الدنيا، التثبيت على النطق بالشهادتين في القبر، والتثبيت على الصراط، وعند الأسئلة التي توجه إلى العبد يوم القيامة.

وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:٣٣] الخطاب أو السياق كله جاء في خطاب أزواج النبي؛ لأن الآية مصدرة بـ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:٢٨] إلى قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:٣٤] الآيات كلها في نساء النبي، فقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} فيه تفسير أو بيان أن المراد بآل البيت: الأزواج، فمن العلماء من جنح إلى هذا، وآخرون قالوا: هي أعم من الأزواج؛ لأن النبي لما نزلت الآيات دعا علياً وحسناً وحسيناً وفاطمة ووضع عليهم الكساء وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) الشاهد: أنه أحياناً تكون هناك تفسيرات عامة، وتفسيرات خاصة تدخل تحت التفسيرات العامة، ولا يكون هناك تعارض بين التفسيرين.

فالتفسير الأعم يكون في الغالب أحوط؛ لأنه تدخل فيه مفاريد التفسيرات.