للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إعطاء الله الكوثر لنبيه صلى الله عليه وسلم]

يقول الله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:١] فالله يمتن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإعطائه الكوثر، فإن قال قائل: أليس المن مذموماً في شرعنا؟ والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال أبو ذر: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) فثبت بهذا أن المن في شرعنا مذموم، فلم يمتن الله عز وجل على نبيه محمد ويقول له: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ؟! الإجابة: إن الله يمتن على من يشاء، إذ الخلق خلقه، والأمر أمره سبحانه وتعالى، وأما بالنسبة للبشر فالمن لا يمنع في كل الأحوال، بل أحياناً إن احتاج الأمر إلى تذكر بعض مناقبك أمام قوم جحدوها وغدروا بك فلا بأس بذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال -وإن كانت المناسبة غير المناسبة- قال للأنصار لما بلغته عنهم المقالة: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أمن، ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أمن ... ) الحديث.

وعثمان أيضاً لما حاصره الثوار وتآمروا على قتله نظر إليهم وقال: (أناشدكم الله، ولا أناشد إلا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حفر بئر رومة فله الجنة، فحفرتها؟ قالوا: بلى.

قال: أناشدكم الله! ألم تسمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزته؟ قالوا: بلى، قال: فبم تقتلونني؟ والله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا ارتددت عن ديني حتى أقتل، ولا قتلت نفساً بغير حق، والنبي يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.

فبم تقتلونني؟ ... ) الشاهد: أنه ذكر بعض المناقب التي فعلها، فليس المن -أو الامتنان- مذموماً في كل الأحوال، فإن كان يراد به دفع باطل فلا بأس به، أما على سبيل التعالي والافتخار على الناس فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة:٢٦٤] فبينت الآية أن المن والأذى يبطل الصدقات ويذهب ثوابها.