للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب نزول سورة النصر]

سورة النصر آخر سورة نزلت في كتاب الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله، أي: أُخبر فيها أنه سيموت عليه الصلاة والسلام.

كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يدخل كبار الصحابة من أهل العلم وأهل الفضل، وكبار الصحابة من البدريين الذين شهدوا بدراً؛ كان يدخلهم عمر إلى مجلسه ويستشيرهم في شئون المسلمين، وكان يدخل معهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وكان صغيراً، كان عمره عشرين سنة تقريباً، فقال الصحابة: لماذا تدخل هذا الغلام معنا، ولنا أبناء مثله أو أكبر من سنه ولا تدخلهم؟ قال: إنه من حيث علمت.

أي: إنه ابن عم رسول الله، وله فقه واسع في الدين، فالرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بالفقه في الدين، إذ قال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) .

قال ابن عباس: فدعاني عمر يوماً، ورأيت أنه ما دعاني إلا ليريهم مني أشياء -أي: يسألني أمامهم- فسأل عمر رضي الله عنه الصحابة: ما تقولون في سورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:١-٣] ؟ ففسروا الآيات على ظاهرها، وقالوا: أمرنا الله إذا انتصرنا ودخل الناس في الدين جماعات أن نسبح بحمد ربنا ونستغفره، قال: ما تقول أنت يا ابن عباس في هذه السورة؟ قال: يا أمير المؤمنين، أما أنا فلا أقول كما قالوا، إنما هذه السورة نعت إلى رسول الله أجله، أي: أخبرت الرسول أنه سوف يموت، فيستعد للموت بالاستغفار.

وقد استنبط عبد الله بن عباس ذلك من جملة نصوص: - أن الصلاة تختم بالاستغفار.

- وأن نوحاً عليه السلام لما أغرق الله قومه قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:٢٨] .

- وأن المجالس تختم بالاستغفار: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) .

- وأن الله قال في الحج: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة:١٩٨] إلى قوله: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:١٩٩] .

فالأعمال تختم بالاستغفار، ففهم أن المراد أن السورة نعت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أجله، أي يا محمد! استغفر؛ لأنك ستموت.

فقال عمر: (والذي نفسي بيده ما أعلم منها إلا كما علمت يا ابن عباس) .

فأقر المحدث الملهم عمر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على هذا الفهم، وكان كذلك، فلما مات لم تنزل سورة بعدها، مات الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يقول في ركوعه وسجوده بعد نزول هذه السورة عليه: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) يتأول القرآن.

وكان يقول في مرض موته: (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق) ، وفي رواية أخرى: (وألحقني بالرفيق الأعلى) ، والرفيق: هم الرفقاء من المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.