للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح)]

قال الله سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:١] ، نقل عدد من المفسرين الإجماع على أن المراد بالفتح فتح مكة، وقد كان المشركون في الجزيرة العربية متوقفين في الإسلام، قالوا: محمد يحارب قومه، هو من أهل الحرم، وهم من أهل الحرم، هم قرشيون وهو قرشي، فكانت العرب تترقب من الذي سينتصر؟ إن انتصر المشركون على محمد فنحن باقون على ديننا لا نترك الدين، لأن الأمر لن يتغير، وإن انتصر محمد على المشركين وفتح مكة فسوف ندخل في هذا الدين.

كان هذا موقف الجزيرة بصفة عامة، كانوا ينتظرون المعركة الحاسمة، فإذا انتصر محمد فنحن معه، وإن لم ينتصر محمد فهم مع المشركين، قالوا: فلما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم وفتح مكة جاءت الوفود تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل فج، وجاءت القبائل فوجاً فوجاً، كل فوج يبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ودخلوا في دين الله أفواجاً، وهم محسنون صحابة، لكن الذي أنفق في أوقات الشدة وجاهد قبل الفتح أفضل من الذي علق إيمانه على الفتح، فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية) .

فهناك أوقات درهم يسبق فيها ألف درهم، وعمل صالح يسبق فيها ألف عمل صالح، ولذلك فإن من أكثر الصحابة الذين أنفقوا مالاً عثمان رضي الله عنه، وإنفاق أبي بكر مع أنه أقل من إنفاق عثمان، لكنه أعظم أجراً من إنفاق عثمان، مع أن في الكل أجراً؛ لأن أبا بكر أنفق وقت شدة المسلمين وحاجتهم إلى المال، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر) .

فجُعل الفتح فيصلاً بين المنفقين قبله والمجاهدين قبله، وبين المهاجرين والمنفقين فيما بعد، ولذلك كان الخلفاء الراشدون إذا قسموا أموالاً أو غنائم يعطون الذين هاجروا قبل الفتح أكثر من الذين هاجروا بعد الفتح؛ لأن هؤلاء بذلوا، وهؤلاء وإن بذلوا لكن بذلهم كان في وقت أقل احتياجاً من هؤلاء الذين بذلوا في أول الأمر.