للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد)]

{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:٤] النفاثات هن السواحر اللاتي يسحرن، وينفثن في العقد.

قد تقدم بيان بعض فضائل سورتي الفلق والناس، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عقبة! قل، قلت: ما أقول يا رسول الله؟!، قال: قل، قلت: ما أقول يا رسول الله؟!، قال: قل: قلت: ما أقول يا رسول الله؟!، قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حين تصبح، وحين تمسي، تكفيك من كل شيء) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما سأل سائل بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما) وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما إذا اشتكى مع سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وينفث بهذه السور في يديه، ويمسح رأسه وما استطاع من جسده.

وكان يقرأ بهما مع: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عند النوم، وحث على القراءة بهن دبر الصلوات صلى الله عليه وسلم.

يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] وقد ورد بسند ضعيف سبب نزول هاتين السورتين، ألا وهو قصة سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فورد بأسانيد فيها ضعف أن هاتين السورتين نزلتا لما سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فكانتا سبباً في حل السحر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح سبب النزول.

يقول الله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ أي: ألجأ وأستجير وأعتصم، (بِرَبِّ الْفَلَقِ) وتقدم أن الفلق الصبح، وأن الفلق كل شيء انفلق عن شيء، فالصبح لما انفلق عن الظلمة قيل له: فلق، وأيضاً قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام:٩٥] ، وقال سبحانه: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} [الأنعام:٩٦] ، لكن المراد بالفلق هنا الصبح، فالمعنى: أستجير برب الصبح وما حواه من نور وضوء، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ قد أسلفنا أنه يدخل في قوله: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ عموم الشرور التي يمكن أن يستعاذ منها: كشر الناس، وشر السباع والدواب والهوام، وشر الجن، وشر الريح، وسائر الشرور التي يمكن أن يتعوذ منها، فالآية جامعة.

{وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} ، تقدم أن الغاسق إذا وقب فيه أقوال لأهل العلم: قيل: هو القمر، وقيل: هو الليل إذا دخل، وهذا هو رأي الجمهور في تفسير الغاسق إذا وقب، ومنه قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:٧٨] ، ووقب معناه: دخل أو أقبل بظلامه، قالوا: لأن الليل إذا أقبل بظلامه انتشرت السباع، وانتشرت الهوام، وانتشرت الشياطين كما في حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيانكم واذكروا اسم الله، وأوكئوا قربكم واذكروا اسم الله، وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، وأطفئوا المصابيح واذكروا اسم الله، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ) وفي رواية لـ مسلم: (فإن للجن انتشاراً وخطفاً) .

فيستعاذ برب الفلق من الليل ومن دخول الليل؛ لأن الشياطين تنتشر، وكذلك الحيات والوحوش فإنها تخرج من أماكنها، وكذلك اللصوص يتسترون بالليل لإمضاء أعمالهم، وكذلك الأعداء يمكرون بالليل بمن يريدون غزوه، ولهذا استعيذ بالله من شر الغاسق إذا وقب، وهو الليل إذا دخل.

{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ} [الفلق:٤] النفاثات: جمع نافثة، والنافثة هي: المرأة التي تنفث في عقد الخيط، فالنفاثات هن: السواحر، جمع ساحرة، وهن اللواتي يسحرن وينفثن في عقد الخيط، فالسحرة يقرءون ثم يعقدون هذه العقد، فالنفاثات في العقد هن السواحر اللواتي ينفثن في عقد الخيط.