للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (الذي يوسوس في صدور الناس.]

{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس:٥] ، قيل: أي: يلقي الوسواس إلى الصدور، وتدخل الوساوس من الصدور إلى القلوب، ومن العلماء من قال: يوسوس في القلوب لأن القلوب داخل الصدور، والله أعلم.

{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:٦] ، من العلماء من قال: إن الموسوس جن وإنس، ومنهم من قال: إن الموسْوَس إليه جن وإنس.

من العلماء من قال: إن الموسْوِس بالكسر المستعاذ بالله منه إنس وجن، ومنهم من قال: إن الوسواس الخناس الذي هو كبير الأبالسة يوسوس في صدور الفريقين: يوسوس في صدور الإنس، ويوسوس في صدور الجن كذلك.

وانتصر كل عالم للرأي الذي تبناه، فالذين قالوا: إن الذي يوسوس إنس وجن، أما الجن فمعلوم أنها توسوس، وأما الإنس فاستدلوا بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:١١٢] ، فللإنس شياطين وهم يوسوسون أيضاً في الصدور، ويوغرون الصدور، ويملئونها شراً، يملئون صدور قوم شراً على قوم آخرين، فهناك إنس يوسوسون، وهناك جن يوسوسون، ومن أهل العلم من قال: إن الشيطان يوسوس في صدور الإنس، ويوسوس في صدور الجن أهل الصلاح أو عموم الجن واستدل قائل هذا القول بقوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن:٦] ، فقالوا: لا يطلق على الجن رجال.

وعلى كل: فكون الإنس يوسوس لا شك في ذلك، وكون الجني يوسوس لا شك في ذلك، لكن وسوسة شيطان الجن أعظم من شيطان الإنس، وكما قال فريق من أهل العلم: إن شيطان الإنس يدفع بأمور لا يدفع بها شيطان الجن، فشيطان الإنس إذا أكرمته ببعض الكرامات في الدنيا، وأعطيته بعض الأموال، قد يسكت عنك كما قال تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:٣٤] ، فقد تعطيه مالاً أو تتكلم معه بكلمة طيبة، أو تتنازل عن جزء من مالك فيسكت عنك، أما شيطان الجن فلا يرضى منك إلا بالكفر والعياذ بالله.