للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المعتزلة]

قال الله: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [النساء:٨٨] الله سبحانه هو الذي أضلهم لعلمه أنهم يستحقون الضلال.

وهذه الآية فيها رد على المعتزلة القائلين بأن الرب ليس له تدخل في إضلال العباد، ومنهج أهل السنة أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، قال الله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧] كما في قوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف:١٨٦] ، وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:١٧] فإن قال قائل: لماذا يضلني الله، نقول: الله أعلم بمن يستحق الضلال وأنت مكلف أن تعمل كما أمرك الله وليس لك وراء ذلك سؤال، فرب العزة يقول: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ} [النساء:٨٨] ، المراد بالهداية هنا: هداية التوفيق، فالمعنى: أتريدون أن توفقوا للإيمان وتحملوا على الإيمان قوماً أراد الله لهم الضلال، وهذا لا يستطاع أبداً، إنما الهداية التي نستطيعها هي هداية الدلالة، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي} [الشورى:٥٢] أي: لتدل إلى صراط مستقيم، فهداية التوفيق هي المعنية في هذه الآية: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:٨٨] .

أي: لن تجد أي مدخل أبداً تدخل به إلى قلب هذا الذي أراد الله له الضلال، كما قال نوح: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح:٨-٩] لو تسلك كل الطرق: الهدوء، السر والجهر أمام الملأ من الناس للتألف فلن يهتدي؛ لأن من يرد الله أن يضله فلن تملك له من الله شيئاً.

قال الله: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} [النساء:٨٨-٨٩] فلا يكتفون بكفرهم، بل يريدون منكم الكفر كما كفروا، كما قال تعالى: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:١١٨] {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:٢٧] {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:٩] .