للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.)

قال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [النساء:٩٥] كلمة (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) تأخر نزولها عن سائر الآية، فقد كان في الآية أول ما نزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) نزلت هكذا أول الأمر، فجاء ابن أم مكتوم إلى رسول الله يشتكي ضرره وفقدان بصره، فأنزل الله تعالى: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:٩٥] وهناك دليل على أن بعض الآيات قد ينزل متأخراً عن بعض، والرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي يقول (ضعوا هذا الجزء في هذه الآية، وضعوا هذه الآية في سورة كذا وكذا) ، كقوله تعالى في سورة البقرة: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:١٨٧] نزلت هكذا، ثم بعد مدة نزل قوله تعالى: (من الفجر) .

قال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء:٩٥] ، فالقاعدون لهم أجر، وقد جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آمن بالله ورسوله كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، مات في سبيل الله أو مات في أرضه التي ولد فيها، قالوا: أفلا نبشر الناس يا رسول الله؟! قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) .

فالقاعدون لهم درجات لكن أعلى منهم درجات المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.

والجهاد أعم من القتال، ولذلك المستشرقون لما جاءوا يترجمون هم والمستغربون بدءوا بترجمة كلمة (الجهاد) التي في كتاب الله بمعنى القتال، فأخطئوا؛ لأن الجهاد صورته أوسع، فقد يكون جهاداً بالمال، وقد يكون جهاداً بالنفس لا بالسيف فقط، والجهاد بالنفس يكون بالخروج لأي عملٍ يرضي الله سبحانه وتعالى وينصر دينه، وقد يكون جهاداً بالقلب، (فمن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن) ، فاصطلاح الجهاد أعم من اصطلاح القتال، أما القتال فهو أحد صور الجهاد في سبيل الله، فلذلك الترجمة ينبغي أن تكون من رجل ملم بالأحكام الشرعية لا من رجل جاهل.

قال تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِم} [النساء:٩٥] جهاد المال الآن يتمثل في صور منها: أن تنشر كتيباً أو شريطاً فيه رفع معنويات المسلمين أن تحث المسلمين على أعمال البر أن تتصدق بمصحف، فأفعال الخير والبر واسعة غاية الاتساع والحمد لله.

{فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:٩٥] ، قال صلى الله عليه وسلم: (أهل الجهاد لهم مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في السماء؛ لتفاضل ما بينهم) .