للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... ) وتنزيل هذه الآية

قال تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء:١٠٩] .

قوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ) الهاء في (هؤلاء) للتنبيه، وأصلها (ألاء) ، ومنه قول الله عز وجل حكاية عن موسى عليه السلام: {قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٤] ، وقوله تعالى: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ} [آل عمران:١١٩] فالهاء تزاد للتنبيه فيقال: (هؤلاء) .

وقوله تعالى:: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء:١٠٩] هذه الآية تتنزل على المحامين الذين يدافعون بالزور والباطل من أجل عرض قليل زائل، فيقف المحامي الكذاب الأشر أمام القاضي ويدافع عن السراق والحشاشين وتجار المخدرات، وهو يعلم أن هذا تاجر مخدرات حرامي لص سارق، أو أن هذا قاتل، ومع ذلك لا يبالي أبداً، فرب العزة يقول:: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء:١٠٩] فإذا كنت -أيها المحامي- تظن أنك أنقذت صاحبك، وخرجت والناس يصفقون لك لتتقاضى الأموال، فاعلم أن هذا الذي أنجيته من الحد الذي كان يستحقه سيأتي يلعنك يوم القيامة، ويقول لك: يا ليتك تركتني حتى أقتل فأستريح من عذاب الآخرة، فالحدود كفارات.

فليحذر كل محامٍ كذاب يأكل أموال الناس بالباطل من أصحابه الذين يدافع عنهم، فرب العزة يقول: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧] ، ويقول تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:٢٧-٢٩] ، ويقول بعضهم لبعض: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [ق:٢٧] وقوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ) .

أي: بالباطل، وإلا فالجدال عن الشخص بالحق مشروع ومحمود.

قال تعالى: (فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فيوم القيامة لا جدل؛ لأن الله تعالى قال عنه: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ) فلا أحد يتكلم بكلمة {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ:٣٨] فمن المفسرين من قال: إن قوله تعالى: (وقال صواباً) .

أي: كان يقول في الدنيا (لا إله إلا الله) ، ومنهم من قال: أي: يتكلم بالحق ولا يكتم الله حديثاً.