للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على التأسي بالسابقين الصالحين]

قال الله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء:١٥٣] أي: فلا تستغرب ولا تتعجب من سؤالهم، فإنهم قد سألوا موسى أكبر من سؤالهم لك.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى العلة من عدم إنزال الكتاب من السماء، فقال: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام:٧] أي: حتى لو نزَّل لهم كتاباً من السماء، (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) أي: أمسكوا به بأيديهم، (لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، فالآيات لا تنفع من ختم الله على قلبه.

قال الله عز وجل: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء:١٥٣] وموسى عليه الصلاة والسلام قد سئل مسائل عظيمة، ولما أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله أخي موسى! لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) عليه الصلاة والسلام.

فقوله تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء:١٥٣] فيه تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام، وليس من التسلية المعلومة عند الناس، بل التسلية بمعنى المواساة، كما قالت الخنساء في بيت شعري لها مشهور: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي ولا يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي يعني: أنها تتأسى أو تتسلى بهم وببكائهم على أخيها الفقيد.

فهذا الاشتراك في المصيبة يهونها في الدنيا، أما في الآخرة فلا، قال سبحانه: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:٣٩] .

فجاءت جملة آيات في كتاب الله تحث على التأسي بالسابقين، وتواسي الأنبياء وأهل الصلاح وتسليهم، قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:٣٥] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام:٣٤] أي: اصبر كما صبروا يا محمد.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم معلماً أصحابه لما جاء بعضهم يشكو إليه ما حلّ بهم: (ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا يا رسول الله؟! فقال: إنه قد كان من قبلكم يؤتى بالمنشار فيوضع في مفرق رأسه فيشقه نصفين، ولا يصده ذلك عن دينه) ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ فاطمة: (يا بنية! إنه قد حلّ بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحداً) .