للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريف بني إسرائيل للكلم عن موضعه]

قيل لبني إسرائيل: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف:١٦١] فدخلوا مبدلين ومغيرين لأمر الله عمداً، دخلوا يزحفون على أستاههم بدلاً من أن يدخلوا ساجدين، وقالوا: حبة في شعرة، مكان حطة، وفي بعض الروايات: قالوا: حنطة.

وما معنى قولهم: حنطة مكان حطة؟ معنى حطة، أي: حط عنا خطايانا يا رب، لكنهم اتخذوا الأمر للسخرية، فقالوا: حنطة؛ تبديلاً وكفراً.

أو قال قوم آخرون منهم: حبة في شعرة.

وقد ورد الأثران في ذلك، فهو محمول على أن بعضهم قال: حطة، وبعضهم قال: حبة في شعرة، والقصد أن هؤلاء وأولئك حرفوا كلام الله سبحانه وتعالى، وكلهم ما دخلوا سجداً بل دخلوا يزحفون على أستاههم عياذاً بالله.

أما أهل الإيمان فإذا فتح الله عليهم البلاد صلوا صلاة الشكر، ولذلك قال بعض أهل العلم: إن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند فتح مكة هي صلاة الفتح، واستدلوا لذلك: بأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه روي عنه أنه لما فتحت مدائن كسرى صلى ثماني ركعات.

وعندنا أهل الإسلام إذا بشر الشخص بأمر يسره خر ساجداً لله سبحانه، فلما بشر كعب بن مالك بتوبة الله عز وجل عليه خر ساجداً، فيشرع سجود الشكر، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في سجدة ص: (سجدها داود توبة ونسجدها شكراً) ، فسجود الشكر مشروع لنا، وقد أمر الله بني إسرائيل بذلك: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف:١٦١] أي: باب القرية التي فتحها الله لكم، فغيروا وبدلوا وحرفوا كما هو واضح.

ومن أهل العلم من قال: إن قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف:١٦١] المراد به: ركعاً؛ لأنهم لا يقدرون به يدخلوا ساجدين؟ قالوا: لأن السجود والركوع قد يأتيان في الكتاب العزيز بمعنى واحد، فيأتي الركوع بمعنى السجود والسجود بمعنى الركوع، والركوع بمعنى الصلاة بالكلية، كما قال تعالى: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:٤٣] أي: صلي مع المصلين، ونحو ذلك.

فمن العلماء من قال: إن المراد بالسجود هنا الركوع.

ومن العلماء من أبقاها على ظاهرها.

والله تعالى أعلم.

لكن لقائل أن يقول: إن الركوع إذا اقترن بالسجود فللركوع معناه وللسجود معناه المعلوم لدينا، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:٧٧] ، فالركوع له معناه والسجود له معناه، لكن إذا انفصل أحدهما فإنه يحمل على المعنيين معاً، فقوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:٩] يدخل فيه الركوع على قول بعض العلماء.