للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترك يوسف لملة الكفر واتباعه لملة الإسلام]

{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} الذين هم: {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} ، فيجوز إذاً أن يطلق على الجد البعيد أب، وقد قال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:٧٨] ، وهذا له أثره الفقهي؛ ففي أبواب الفرائض منزلة الجد عند عدم وجود الأب، ومن العلماء من قال: إنه يحجب الإخوة في حالة عدم وجود الأب، وهذا قول فريق كبير من العلماء، ومنهم من أشركه مع الإخوة في الميراث.

قال الله تبارك وتعالى: قال يوسف الصديق، وهنا نقول: هل الأصوب أن نقول: قال يوسف الصديق، أم نقول: قال الله تعالى إذا رمنا أن نقول: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} ؟ الظاهر أننا نقول مباشرة: قال يوسف الصديق: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} ، ولا نقول: قال الله: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} ، ولا نقول أيضاً كما قال البعض أن هذا حكاية عن يوسف؛ لأن هذا ليس من صنيع الرسول، بل الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة:١١٧] ، وقال عليه الصلاة والسلام كذلك: (نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:٢٦٠] ) ، ولم يقل: إذ قال الله حكاية عنه: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:٢٦٠] ، وكذلك قالت عائشة فيما سلف بيانه: (فلا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:١٨] ) ، ولم تقل: كما قال الله حكاية عن أبي يوسف، فمن ثَم نقول: قال يوسف عليه السلام: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} ، والملة هي: الدين، ولها معانٍ أخر.

{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} ، أي: ما كان ينبغي لنا أن نشرك بالله من شيء، ما صح وما جاز وما ينبغي لنا أبداً أن نشرك بالله من شيء، {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} ، وأكبر فضل على الإطلاق أن يرزقنا الله التوحيد سبب النجاة يوم القيامة؛ فمن لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقي الله يشرك به شيئاً دخل النار، والشرك ذنب لا يغفر: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] ، ومن ثم فالفضل كل الفضل في توحيد الله سبحانه، فهي أعظم النعم على الإطلاق أن نرزق التوحيد، قال عليه الصلاة والسلام: {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ} ، أي: ما رزقنا به من التوحيد من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون هذه النعمة، ويجعلون لله شركاء.