للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تبرئة الله للصالحين في كل موطن]

قالت امرأة العزيز مبرأة ليوسف صلى الله عليه وسلم: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف:٥١] ، أي: وضح الحق وتبين، {أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:٥١] ، مفاد كلامها: أنها هي التي من الكاذبين، فحينئذ أظهرت الحق جلياً واضحاً، وكل ذلك بإذن الله، وكل ذلك نصرة من الله للمظلوم، وتبرئة من الله سبحانه وتعالى للمظلوم، وهكذا ينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم، فليهدأ بالاً كل مظلوم فإن الله سبحانه وتعالى سيبرئه، كما برأ مريم مما اتهمت به، إذ قال لها قومها: {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم:٢٧] ، {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:٢٨] ، فبرأها لله وأنطق لها وليدها في المهد قائلاً: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم:٣٠-٣١] ، وكما برأ الله سبحانه وتعالى عائشة رضي الله عنها مما اتهمت به من الإفك والبهتان في حديث الإفك في آيات تتلى في المحاريب.

وبرأ الله جريجاً العابد كذلك؛ فقد أتته إحدى المومسات، وقالت لقومها: لأفتنن جريجاً، فذهبت إليه تدعوه إلى البغاء معها، فأبى عليها وامتنع، فأمكنت نفسها من راعي للغنم، فحملت منه وولدت، فأتاها قومها وقالوا لها: من أين جئت بهذا الولد؟ قالت: من جريج! فجاءوا إليه وأنزلوه من صومعته وضربوه وآذوه، وهدموا الصومعة، فقال: ائتوني بالطفل، فأتي به، فقال له: يا غلام من أبوك؟ قال: أبي الراعي! وبرأ الله جريجاً بذلك، فبنوا له صومعته وقالوا: إن شئت أن نبنيها من ذهب فعلنا، فقال: لا أعيدوها كما كانت.

وبرأ الله سبحانه وتعالى زيد بن أرقم لما نقل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مقولة أهل النفاق؛ إذ قال عبد الله بن أبي ابن سلول: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:٨] ، فجاء ابن أبي وأنكر ذلك أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، فشق ذلك على زيد بن أرقم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:٨] ، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى زيد بن أرقم يقول له: (إن الله قد صدقك يا زيد) ، وبذلك كانت الأنصار تفتخر فتقول: (ومنا الذي أوفى الله له بأذنه) أي: صدق الله له أذنه.

وكذلك كانت ثَم جارية زمن عائشة رضي الله عنها تأتي عائشة فتقول: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني وكانت تكثر من ذلك، فسألتها عائشة رضي الله عنها عن سبب قولها لهذا البيت، فحكت لها ما هذا معناه: أنها كانت عند قوم، ففقدوا وشاحاً من ابنتهم، فاتهموا به الجارية، قالت: ففتشوا كل شيء فيّ حتى فتشوا قبلي، قالت: وبينما هم كذلك إذ جاءت حديّة فألقت الوشاح علي وهم يفتشونني، فأظهر الله عز وجل براءتي.

وهكذا ينجي الله المتقين، وهكذا يبرئ الله ساحة المظلومين، وإن كان هذا في الدنيا فهو في الآخرة آت يقيناً لا محالة، فربنا سبحانه ينصر أولياءه ويبرئ ساحاتهم.