للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مزيد إحسان يوسف إلى إخوته]

{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف:٦٢] ، أي: البضاعة التي أتوا بها من بلادهم كي يأخذوا مكانها زاداً وطعاماً براً أو قمحاً أو شعيراً؛ ردوها إليهم مرة ثانية في ثنايا الرحال، والرحل: هو الوعاء الذي يضع فيه الشخص متاعه، فبعد أن جهزهم يوسف عليه السلام بالزاد الذي أتوا من أجله وبالطعام الذي جاءوا راغبين فيه؛ أمر غلمانه بأن يدسوا الأموال التي أتى بها إخوته في ثنايا الرحال والطعام والبر والقمح والشعير، فقال لهم: (اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ) ، أموالهم التي أتوا بها وسلعهم التي أتوا لاستبدالها؛ ودسوها ثانية في أوعيتهم، لم؟ قال: (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .

لسببين أمر يوسف صلى الله عليه وسلم أن تدس البضاعة في الرحال مرة ثانية: السبب الأول: لعلهم يعرفونها، ومن ثَم يعرفون كرمنا إذا رجعوا إلى أهليهم، فيطمئنوا أهليهم وأباهم أن أخاهم سيكون في يد أمينة، فهذا ملك لا يظلم، وعزيز لا يظلم، فقال لهم: {اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا} [يوسف:٦٢] ، ومن ثم يعرفون كرمنا وإحساننا.

هذا سبب.

السبب الآخر: (لعلهم يرجعون) ، فنحن إذا أخذنا منهم الأموال ورجعوا إلى بلادهم قد لا يكون عندهم أموال أخرى ولا بضاعة أخرى يأتون بها كي يأخذوا مكانها القمح والشعير، لكن إذا وجدوا أموالهم رجعت إليهم رجعوا إلينا مسرعين بأخيهم كي يأخذوا طعاماً جديداً، هذا هو الذي ذكره العلماء في هذا الباب.

غرضان من أجلهما قال يوسف لفتيانه: {اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} ، الغرض الأول: لعلهم يستدلون على ذلك بإكرامنا وكرمنا، والغرض الثاني: حتى يسرعوا الرجوع إلينا بأخيهم، فإذا وجدوا بأيديهم أموالاً وبضاعة أتوا مسرعين لأخذ القمح مكانها، إذ الناس في أزمة وجوع شديد، وهذه حيلة من الحيل.