للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخذ يوسف لأخيه بأمر الله وتدبيره]

{قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} [يوسف:٧٥-٧٦] ، لنفي التهمة والشبهة، حتى لا يقال: إن هذا أمر مدبر مخطط، فإذا أخر وعاء أخيه إلى آخر الأمر في البحث والتفتيش والتنقيب وفتش رحل الأكبر فوجده بريئاً، فحينئذٍ يطمئن الأكبر إلى عدل هذا الملك، ثم يتفش رحل الذي يليه فيجده بريئاً فيطمئن هو كذلك إلى عدل الملك، فإذا اطمأن الكل إلى أنه عادل: {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} [يوسف:٧٦] .

{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف:٧٦] ، أي: دبرنا ليوسف، فهذا التدبير كان من الله سبحانه وتعالى، وهذا الحكم باسترقاق السارق الذي حكم به إخوة يوسف كان بإذن الله أيضاً، فوُفق يوسف عليه السلام لهذه الحيلة بإذن الله تعالى.

{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف:٧٦] ، أي: بالنبوة والعلم، فالعلم بعد الإيمان ومع الإيمان، نرفع درجات من نشاء بالعلم والفقه، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:٧٦] ، كل عالم فوقه عالم، كل عالم فوقه عالم، وعلم الله فوق علم جميعهم، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن بعض أبواب العلوم كالطب مثلاً: (ما أنزل الله داءً وإلا وأنزل له دواء؛ علمه من علمه وجهله من جهله) ، فكل صاحب علم فوقه عليم، كما قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .

ثم قال إخوة يوسف وقد أظهروا ما بداخلهم تجاه أخيهم: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:٧٧] ، يريدون يوسف عليه السلام، ويريدون أيضاً أن العرق دساس، {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} ، فأخرجوا ما بداخلهم تجاه أخيهم، ويوسف يعلم مرادهم عليه الصلاة والسلام.