للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرص الأنبياء على هداية الكفار]

قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣] ، أي: ولو حرصت على إيمانهم، ولو حرصت على هدايتهم، فما أكثرهم بمؤمنين، قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦] ، فرسولنا حقاً لا يهدي من أحب، وليس لبشر أن يهدي من أحب، إنما الهادي هو الله سبحانه، ومن ثم ندرك لِم لَم تجد دعوة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وهو يقول له: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:٤٣-٤٥] ، فلم تجدِ هذه النداءات، ولم تجدِ هذه الاستجداءات، فيقول أبوه: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم:٤٦] .

وكذلك لم يجد دعاء نوح عليه السلام لولده إذ يقول: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:٤٢] ، ويقول الغشوم: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} ، انظر إلى هذا الجهل والغباء، يقول: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:٤٣] ، فيقول أبوه: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:٤٣] .

فليس لأحد سلطان على قلب أحد، إنما الهادي هو الله، فنوح عليه الصلاة والسلام لم يملك أمراً على قلب امرأته؛ بل خانته امرأته كما قال تعالى ضارباً مثلاً للذين كفروا بها: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:١٠] ، فليس لأحد سلطان على قلب أحد؛ بل الله يحول بين المرء وقلبه.

فإذا علمت هذا فليطمئن قلبك إذا ابتليت بولد غير مؤمن أوبفتاة ليست بمؤمنة، فإن أمر القلوب مرده إلى الله، قال الله سبحانه وتعالى في ذرية إبراهيم وإسحاق: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات:١١٣] ، أي: بعض ذريتهما، فصنف محسن وصنف ظالم لنفسه مبين؛ فالهادي هو الله.

{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:١٠٣] ، فالأكثرية كافرة، والأكثرية بعيدة عن طريق الله، أكثرية الخلق على هذا النحو، وعلى هذه الشاكلة، وكما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] ، فلا يستوحشن مستقيم طريق الاستقامة، ولا يستقل السالكين فيه، فهم قلة على مدار العصور والدهور، وقد تقدم حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (عرضت علي الأمم؛ فرأيت النبي يمر ومعه الرهط، والنبي يمر ومعه الرجل، والنبي يمر ومعه الرجلان، والنبي يمر وليس معه أحد) .