للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير الإيمان مع الشرك بالحلف بغير الله]

ووجه آخر في هذا الباب: أن قوماً ما يقرون بالله بأنه إله واحد وخالق ورازق ورب، ثم هم يحلفون بغيره، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، وحسن بعض العلماء حديث: (من حلف بغير الله فقد أشرك) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف فقال: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله) ، وجاء اليهود إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقالوا: يا محمد! إنكم تشركون وتنددون! قال: وكيف ذاك؟ قالوا: أصحابك يقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ويقولون: والكعبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده، ولا تقولوا: والكعبة، ولكن قولوا: ورب الكعبة) .

فهذه صور من صور الشرك قد تتأتى إلى بعض المسلمين كذلك، ولكنها ليست بشرك مخرج عن الملة إلا إذا اعتقد صاحبها تعظيم المحلوف به كربه سبحانه وتعالى، فهذه صورة أخرى من صور الشرك، فربنا يقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:٦٥] ، فهذه صور كلها تدخل تحت قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ، ومن ذلك: (لولا البط لسرقنا اللصوص) ، (لولا الديك لاعتدى علينا الجيران) ، هذه أيضاً صور من صور الشرك في الألفاظ ينبغي أن تتقى.

ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٥-٦] ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} [الرعد:١٤] ، أي: فكأنه يمد يديه إلى الماء ويقول: يا ماء تعال اصعد إلي يا ماء، والماء لن يصعد أبداً بحال، وهكذا الذي يدعو من دون الله أمواتاً وأنداداً.