للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية.]

قال تعالى: {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} [يوسف:١٠٧] ، أفأمن هؤلاء المشركون، أفأمن هؤلاء الغافلون أن تأتيهم غاشية من عذاب الله؟! غاشية تغشاهم وعذاب يعمهم، فالغاشية المصيبة والداهية التي تغشى الوجود والخلق، {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} [يوسف:١٠٧] ، كما قال تعالى محذراً ومنذراً: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٧-٩٩] ، أفأمن هؤلاء المشركون الظالمون أن تأتيهم غاشية من عذاب الله، {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل:٤٥-٤٧] .

ألا فلينتبه الغافلون، وليقبل الشاردون، ليقبلوا على طريق الله، فإن المصائب تأتي فجأة، والبلايا تحل سريعاً، والله ذو بأس شديد، وذو عقاب أليم، فهلموا أيها العصاة إلى طريق الله سبحانه وتعالى، وارجعوا عن عصيانكم، وارجعوا عن تمردكم إلى الله سبحانه وتعالى.

{أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ، أي: فجأة وهم لا يشعرون، كما قال الله سبحانه وتعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر:٤٦] ، فلو تمتعت أيها العبد العاصي، أيها العبد المشرك! إذا تمتعت كل حياتك فلتعلم أن كل ذلك سيذهب ويبقى العمل الصالح الذي قدمه الصالحون، قال الله في آيات تقشعر منها الأبدان وتذرف منها العيون: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:٢٠٥-٢٠٧] ، كل هذه المتعة ذهبت وزالت، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: (يؤتى بأنعم رجل في الدنيا يوم القيامة -أي: ممن كُتب له الشقاء والعذاب في الآخرة- فيصبغ صبغة في النار ويقال له: هل وجدت نعيماً في حياتك قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ما وجدت نعيماً في حياتي قط!! ويؤتى بأبأس رجل في الدنيا -أي: ممن كتب الله له الجنة- فيصبغ صبغة في الجنة ويقال له: هل وجدت بؤساً في حياتك قط؟ فيقول: لا يا رب! ما وجدت بؤساً في حياتي قط) ، فنعيم الآخرة باق لمن وجب له النعيم، وعذاب الآخرة باق كذلك لمن وجب عليه العذاب.

قال الله تبارك وتعالى: {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف:١٠٧] ، بغتة أي: فجأة، سواء كانت ساعتهم هم أو الساعة التي هي الآخرة التي قد أزفت كما قال تعالى: {أَزِفَتِ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:٥٧-٥٨] ، وكما قال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:١] ، وكما قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١] .