للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التعريض بالقذف]

من عرض بالقذف كما تقدم بيانه مراراً الصحيح: أنه لا يحد؛ لأن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود -كأنه يعرض بنفي الولد عن نفسه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: وما الذي حذى به أن يكون أورقاً -أو كما قال- قال: لعله نزعه عرق، قال: ولعل ابنك هذا نزعه عرق) .

فأخذ بعض العلماء من هذا الحديث: أن التعريض بالقذف لا يعد قذفاً، ومنهم من قال: يعد قذفاً؛ لأن قوم مريم قالوا لمريم: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:٢٨] أي: أبوك ما كان رجل سوء وما كان أمك زانية، فعرضوا بأنها زنت، ولذلك حكى الله ذلك الافتراء في قوله: حكاية عنهم وقال في الآية الأخرى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء:١٥٦] قالوا: بالنظر في الآيتين معاً الآية الأولى: (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) ، والآية الثانية: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) نجد: أن قولهم (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) وصف بأنه بهتان عظيم، كذا قالوا وفي قولهم نظر، فإن الذين قالوا: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) لا يستلزم أن يكونوا هم الذين قالوا على مريم بهتاناً عظيماً وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.