للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من اتباع خطوات الشيطان]

قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النور:٢١] ، يا: حرف نداء، وأيّ: منادى، والهاء للتنبيه.

(الذين آمنوا) ، أي: آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وصدقوا وعد الله، وصدقوا بلا إله إلا الله، وصدقوا بالبعث وأيقنوا به.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:٢١] أي: طرق الشيطان ومسالك الشيطان، فطرق الشيطان أطلق عليها خطواته، فهي الطرق التي يرشد الشيطان إلى فعلها، وكلها طرق وخطوات توصل إلى النار والعياذ بالله، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء التحذير من اتباع خطوات الشيطان وأوامره في آيات في غاية الكثرة، قال تعالى محذراً من اتباع الشيطان: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦] ، وقال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:٦٠] ، وقال تعالى محذراً إيانا منه: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا} [يس:٦٢] أي: خلقاً كثيراً، {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس:٦٢] ، وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:٢٦٨] .

فجاءت آيات في غاية الكثرة تحذر من اتباع الشيطان واتباع خطواته، ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:٢١] أي: فليعلم الذي يتبع خطوات الشيطان، أنه يأمر أي: يحث ويحض (بالفحشاء والمنكر) والفحشاء: كل ما فحش، والمنكر: كل ما استنكر.

{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور:٢١] أي: ما طهر وما صلح منكم من أحدٍ أبداً، فأفادت الآية الكريمة: أن الصالح من أصلحه الله، وأن المهتدي من هداه الله، فإذا علم العبد ذلك ازداد تواضعاً لله سبحانه، فإذا علمت أن الذي هداك هو الله لم تستطل على الخلق، فهو سبحانه قادرٌ على إضلالك، وقادرٌ على إصلاح الآخرين، فليكن العبد متواضعاً لله، قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:٧] يا مؤمنون {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:٧] ، فالذي كره الكفر والفسوق إليكم هو الله، {أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:٧-٨] ، أن منّ الله عليك بالإيمان {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:٨] .

قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا} [النور:٢١] أي: ما صلح وما تطهر من الذنوب، فالتزكي يطلق أحياناً على التطهر، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣] ، وفي الآية ردٌ على القدرية نفاة القدر، الذين يقولون: إن الإنسان يختار لنفسه ما شاء، ولا تدخل للرب في ذلك! إنما الرب كالطبيب الناصح! وهذا القول خطأ، تقدم التنبيه على خطئه مراراً، فالله هو الذي يزكي وهو الذي يهدي، ولو كان الأمر كما قالوا، ما قلنا في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] .

فلماذا نطلب الهداية إذا كان أمر الهداية بأيدينا؟! فدل هذا على بطلان قيلهم، وبطلان معتقدهم في هذا الباب، قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:٢١] ، فالله سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، والأمر في هذا كله لله، لا تقل: لماذا هدى الله فلاناً؟ ولماذا أغوى الله فلانا؟! فالله أعلم بالعباد، وأعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، وبمن يستحق الإغواء فيغويه، والعياذ بالله.

{وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:٢١] سميع للأقوال والحركات والسكنات، عليمٌ بالنيات، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون.