للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أولو الإربة المذكورون في الآية]

قال تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور:٣١] في تفسيرها أقوال: أحدها: الخدم الذين ليس لهم حاجة في النساء، أو المخنثون، والتخنيث على قسمين: تخنيث جبلي: يعني: رجل في خلقته مخنث.

تخنيث مكتسب: رجل يتشبه بالنساء ويتمايل كما تتمايل النساء، ويتكسر كما تتكسر النساء.

فالأول وهو المخنث تخنيثاً جبلياً لا حاجة له في النساء من أصل خلقته، فتظهر له المرأة زينتها، أما المخنث تخنيثاً مكتسباً فلا تظهر له المرأة زينتها، وإن اكتشف أن المخنث تخنيثاً جبلياً يصف المرأة منعت المرأة من إبداء زينتها له أيضاً، فكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مخنث يقال له: هيت (كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ذات يوم لـ عبد الله بن أبي أمية: يا عبد الله! إذا فتح الله عليكم الطائف غداً فعليك بـ ابنة غيلان) يعني: إذا غنمتم فاحرص على أن تكون من نصيبك ابنة غيلان وهي بادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي الذي كان متزوجاً بعشر نسوة، فهي إحدى بناته، (عليك بـ ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان) يصف تكسرات جسمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن هذا عليكم) فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على أزواجه، وفي بعض الروايات: (لقد غلغلت إليها النظر يا عدو الله!) فإن اكتشف أن المخنث على هذا النحو فيمنع.

من العلماء من قال أيضاً: إن التابعين غير أولي الإربة أي: غير ذوي الحاجة في النساء، يدخل فيهم الشيخ الكبير الفاني الذي انقطعت حاجته في النساء، أو الرجل الأهطل الأبله الذي لا يفكر في النساء ولا يخشى منه، فهناك كم من شخص أهطل أبله لا يلتفت إلى النساء، إنما حاجته لقمة يأخذها من البيت أو نحو ذلك، فهذا أدخله أيضاً بعض العلماء في التابعين غير أولي الإربة من الرجال.

فعلى ذلك للمرأة أن تبدي زينتها لمثل هؤلاء المذكورين في كتاب الله عز وجل.

{أَوِ الطِّفْلِ} [النور:٣١] الطفل هنا اسم يطلق للمفرد ويطلق للجمع، لكن المراد به هنا الجمع بمعنى الأطفال، بدليل قوله تعالى: {الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:٣١] .

والأطفال على نوعين: - طفل مميز يفهم أمور النكاح وقد تهيج به الشهوة أحياناً وإن لم يكن بالغاً.

- وطفل لا يفهم شيئاً من ذلك، فالطفل الذي ظهر على عورات النساء، فيعرف عورة المرأة، ويعرف الجماع ونحو ذلك؛ فهذا لا تظهر له المرأة زينتها، كالمراهق ابن العشر السنين، أو ابن إحدى عشرة سنة، أو اثنتي عشرة سنة، أما الطفل الذي لا يميز شيئاً من هذا فتظهر له الزينة.

{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} [النور:٣١] يعني: لا تضرب المرأة برجلها ليعلم ما تخفي من زينتها، وكانت المرأة تلبس الخلخال، فإذا مرت برجال وضربت برجلها أحدث الخلخال صوتاً فيلتفت إليها الرجال ينظرون إلى عراقيبها وإلى ساقيها من أسفل، وهذا من حيل النساء، كان هذا في زمان رسول الله وقبل زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمرأة اليوم تكشف مباشرة إلى ما فوق الركبة، ولا تحتاج إلى أن تضرب بالخلخال، حتى ينظر شخص إلى موطن الخلخال.

قال تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:٣١] فأي شيء يدعو إلى إظهار المخفي من الزينة تنهى عنه المرأة، مثلاً إذا جاءت المرأة ورفعت بعض ثوبها لتري الناس الثوب الأسفل أو قميص اليوم مثلاً أو أي شيء من ذلك دخلت في الذنب -والعياذ بالله-، وإن تطيبت حتى يلتفت إليها الناس دخلت في الذنب، وإن وضعت على شعرها ما يلفت النظر إليها ويظهر ما قصي من زينتها دخلت في الذنب.

قال تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور:٣١] أي: لا يزكي أحد منكم نفسه، فإن ابن آدم كتب عليه نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:٣٢] فاللمم يقع فيه الجميع، ومن اللمم النظر، فجاء بعد الأمر بغض البصر أن هناك تجاوزات ستحدث، ولا يستطيع أحد أبداً أن يطبق الآية (١٠٠%) ، بل لابد أن يظهر منه خلل، فإن النبي قال في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر ... ) الحديث، فلذلك جاء التذييل في الآية بالتوبة التي تجب ما قبلها، وذلك لما يعتري التطبيق من خلل، ولا أخال أحداً قد نجا، فلابد وأن يكون صدر شيء من ذلك من الشخص، فجاء التذييل بقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١] ويدخل في الخطاب المؤمنات.