للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز الأكل في بيوت المذكورين في الآية بحسب العرف]

قال تعالى: {وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور:٦١] ، الآية أفادت أنه يجوز لك أن تدخل هذه البيوت، وأن تأكل منها ولو لم تستأذن، لكن هل الأمر على إطلاقه أو فيه تفصيل؟ لا شك أن في الأمر تفصيل، ففرق العلماء بين الطعام الذي يقع به الحرج والطعام الذي لا يقع به الحرج، فقد يقول مثلاً: تمري موضوع في البيت في مكان عام في البيت، فلا بأس أن تأكل من هذا التمر الموضوع في البيت بدون استئذان، لكن قد تكون الأم -مثلاً- أو الأخت أو الصديق اشترى مثلاً كيلو سمن بلدي غالي الثمن، أو كيلو عسل يستعمله للعلاج ويحفظه في صندوق بعيد عن الأيدي؛ فلا تأت وتكشف الصندوق وتلتهم الكيلو العسل أو الكيلو السمن! هنا فرق قال كثير من العلماء في مثل هذه الحالة الأخيرة: يُحتاج إلى إذن.

ومنهم من قال: إن المسألة مسألة عرفية، يعني الحكم فيها مردود إلى الأعراف السائدة.

فمثلاً: في بلادنا إذا دخل أخوك عندك وأكل خبزاً أو أرزاً أو بطاطساً، فهي أشياء لا تؤثر في العادة في نفسية الذي أُكل عنده، أما إذا اشترى شخص مثلاً كيلو لحم -وهو يشتري في الشهر كيلو لحم- وحفظه في موطن ما، وجاء أخوه في غيابه والتهمه، لا شك أن الحكم في هذه الحالة يختلف، فقال بعض العلماء بهذا التفصيل الذي سمعتموه لعمومات أخر دلت مع الآية، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي صححه بعض أهل العلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه) ، ووضعوا للآية ضوابط.

ومنهم من قال: ترجع المسألة إلى نفسية صاحب البيت، وإلى الصداقة الموجودة بين الداخل وبينه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

لكن على التقعيد يجوز لك أن تأكل ما تعارف عليه الناس من بيوت المذكورين، والله أعلم.

{وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور:٦١] ، الزوجة تأكل من بيت الزوج بغير إذنه؛ لأن البيت أصلاً منسوب إليها، وكما قال راوي الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق مع صفية بنت حيي ليقلبها إلى بيتها، وكان بيتها قريباً من دار أسامة بن زيد كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:١] ، فنسب البيوت إليهن، وعليه: فالمرأة تأكل من بيت الزوج مطلقاً بغير إذن.

قال سبحانه: {أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النور:٦١] يعني لو أن شخصاً أمه متزوجة برجل آخر يجوز له أن يدخل عندها ويأكل.

{أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور:٦١] ، وهذا بالنسبة للقهرمان الذي هو بمعنى الخادم، في بيوت الأثرياء يضعون غرفة للطعام فيها مثلاً: الأرز والسمن وكل متعلقات البيت بكميات، ويجعلون عليها خادماً، وإذا احتاجوا شيئاً أو أمره صاحب البيت أن يعطي فلاناً شيئاً من هذا الخبز أعطاه، فالقائم على هذا الذي بيده مفاتيح هذه الأمكنة يجوز له أن يأكل منها، وهذا يتفق مع عمومات الشرع كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ولي الخادم طعام أحدكم فليناوله منه اللقمة وليناوله منه اللقمتين) ، فكما أن الخادم يقوم على حفظ طعام البيت فيجوز له أن يأكل منه.

{أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا} [النور:٦١] أي: مجتمعين {أَوْ أَشْتَاتًا} [النور:٦١] أي: متفرقين.

إذاً: يجوز لك أن تأكل مع جماعة، ويجوز لك أن تأكل بمفردك، إلا أن التجمع على الطعام أولى (اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه) ، فالتجمع على الطعام أولى.