للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور الإحسان في الكتاب والسنة]

ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في سؤال جبريل له عن الإحسان؟ قال: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه) ، فقوله تعالى: ((إنهم كانوا قبل ذلك محسنين)) أي كانوا في حياتهم الدنيا يعبدون الله سبحانه وتعالى على هذا النحو، يعبدونه موقنين ومستحضرين أن الله يرى مقامهم ويسمع كلامهم، كما قال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:٢١٨-٢١٩] ، ففي ممشاهم يشعرون أن الله يراهم، وفي مجلسهم يشعرون أن الله يراهم، وفي عبادتهم يشعرون أن الله يراهم، وهذه من صور الإحسان.

ومن صور الإحسان التي تخلقوا بها: العفو عن الناس، فإن هذا من أخلاق المحسنين، قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤] .

، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:٩٠] فالعدل: القصاص، والإحسان: هو العفو، فتخلقوا أيضاً بهذا الخلق الكريم الذي هو العفو عن الناس، فلم يثأروا لأنفسهم في كل وقت وحين، ولم ينتصروا لأنفسهم من إخوانهم بالحق وبالباطل، إنما هضموا حقوق أنفسهم طلباً لثواب الله، وعفواً عمن ظلمهم ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وأيقنوا وأتقنوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه) .

ومن صور الإحسان كذلك: أنهم كانوا رحماء في معاملتهم مع الناس، بل مع كل شيء حولهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) ، فتخلقوا بهذا الخلق في دنياهم، ومن ثم أخذوا ما آتاهم ربهم في أخراهم، ثم وردت لهم صفات أخر: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧] أي: لا ينامون، وقد استوقفت هذه الآية الكريمة الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى، إذ كان الأحنف يقرأ القرآن قراءة المتدبر المتأمل، فلما مر على هذه الآية الكريمة: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} قال معترفاً: أنا لست من أهل هذه الآية.

وهكذا نحن أيضاً ينبغي أن نقبل على كتاب الله فننزل آياته على أنفسنا لننظر: هل نحن من أهلها؟ وهل نحن من العاملين بها، أم لسنا كذلك؟ فهل نحن من أهل قول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:٦٤] ، ويقولون: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:٦٥] ؟ هل نحن أيضاً من أهل قول الله سبحانه وتعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:١٦] ؟ فاقرأ القرآن قراءة المتأمل المتدبر المتفكر، ولا تكثر من الثرثرة ولا تكثر من الضحك والصياح والعويل والافتخار بنفسك، فأكثر ديدنك الثناء على نفسك، إظهار بطولاتك، قف مع كتاب الله، لتنظر هل أنت من الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:١٠٧-١٠٩] ؟ هل أنت أيضاً ممن قال الله سبحانه وتعالى فيهم: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:٨٣] ؟ هل أنت كذلك من أهل هذه الآية: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢] ؟ فاقرأ القرآن قراءة المتدبر المتأمل واعمل به.