للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (كانوا قليلاً من الليل.)

قال الله في شأن أهل الإيمان: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧] ، أي: لا ينامون.

ولماذا لا ينامون؟ ألكونهم يتاجرون؟ أم لكونهم يخافون؟ أم لكونهم يصلون؟! الآيات الأخر أفادت وأوضحت الذي أجمل {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:٦٤-٦٥] ، لا ينامون لكونهم يخافون اليوم الذي هو آتٍ وموعود، كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر:٩] ، ساعات الليل، {سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر:٩] ، طول ساعات الليل أو في ساعات الليل، لماذا هو ساجد ولماذا هو قائم؟ {يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:٩] ، هذا هو حاله، ساجد وقائم في ساعات الليل الطويلة خوفاً من شيء ورجاء لشيء {يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} .

هكذا كانوا يصنعون، وهذا كتاب الله سبحانه ليس فيه آية ضعيفة ولا فيه خبر موضوع، إنما هو كلام الله عن هؤلاء الناس، الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧] .

لماذا يتركون الفرش الدافئة؟ لماذا يؤثرون التعب والإرهاق وتورم الأقدام، على الراحة والنوم في الفراش الدافئ مع النساء الحسان؟ قال الله سبحانه وتعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:١٦] ، وهذا يدل على أننا جميعاً نحتاج إلى تزكية أنفسنا، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:٩-١٠] ، ونحتاج إلى نهيٍ لأنفسنا عن الهوى، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤٠-٤١] ، وجدير بنا أن نقف مع أنفسنا، ونراجع أنفسنا مع قيام الليل، ويصلي أحدنا لله ما استطاع من ركعات، مستحضراً أن الله يراه وأن الله يسمع كلامه وأن الله يسمع دعاءه، ويتعوذ بالله من دعاء لا يسمع.

وإذا وجد في القلب قسوة فليتعوذ بالله من قلب لا يخشع، وإذا وجد أن العين أصبحت لا تدمع فليتعوذ بالله من عين لا تدمع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من ذلك، وقد صح عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع، وعين لا تدمع، وقلب لا يخشع) ، فجدير بنا أن نمعن النظر في هذه التعوذات التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله منها.

ولنقرأ كتاب الله قراءة المتدبر المتأمل، خاصة في صلاة الليل عندما تكون بمفردك.