للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوبة قبل الغرغرة]

وقوله تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء:١٦] يعني: إن تاب الرجل وأصلح فليس لك أن تعنفه بكلام قبيح بعد ذلك.

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:١٦] يعني: باب التوبة مفتوح وباب الرحمة مفتوح، {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:١٦] .

{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:١٧] من قريب أي: قبل الموت، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن للتوبة باباً مفتوحاً لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها) ، وقال: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) فكلمة من قريب: قال كثير من المفسرين: أي: من قبل الموت (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) أي: إنما قبول التوبة على الله.

والذين يتوبون هل يجب على الله أن يقبل التوبة منهم لقوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) ؟ لا يجب على الله شيء، إنما قال سبحانه: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت:٢١] ، فإذا تبت وأراد الله لك العذاب عذبت، وإذا لم تتب وأراد الله لك الرحمة رحمك، إنما توبتنا من باب الأخذ بالأسباب المقربة إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] ، وفرعون تاب عند معاينته للموت {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠] ، فأجيب بقوله تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٩١] {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:١٨] أليماً أي: مؤلماً موجعاً.