للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار)]

قال الله سبحانه: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن:١٤] قوله: (خلق الإنسان) اللام في الإنسان هنا للعهد كما هو معلوم، وليست للجنس، فأحياناً تأتي كلمة (الإنسان) ويراد بها إنساناً معهوداً بعينه، وأحياناً تأتي ويراد بها جنس الإنسان.

كما يقول الله سبحانه وتعالى (الكتاب) فأحياناً يأتي ذكر الكتاب ويراد به كتاباً معهوداً بعينه، وأحياناً يأتي ذكر الكتاب مراداً به جنس الكتب، فمثلاً: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:١١٣] فالمراد بالكتاب هنا القرآن، فالمراد به كتاب معهود نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن.

لكن: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} [الحديد:٢٥] فالكتاب هنا اسم جنس، لا يراد به كتاباً معهوداً بعينه، إنما يراد به كل الكتب التي نزلت من عند الله سبحانه وتعالى.

وكذلك الإنسان أحياناً يأتي ذكر الإنسان ويراد به إنساناً بعينه وهو آدم صلى الله عليه وسلم أو غير آدم، وأحياناً يأتي ذكر الإنسان للجنس، فمثلاً: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن:١٤] الإنسان الذي خلق من صلصال كالفخار هو آدم صلى الله عليه وسلم، لكن قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [الإنسان:٢] فالإنسان هنا ذرية آدم.

فقوله سبحانه: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن:١٤] إن قال قائل: كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:٥] ، {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن:١٤] و {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر:٢٦] ، فالصلصال من حمأ مسنون: الطين المتغير المنتن؟! نقول: إن هذه مراحل خلق الإنسان، خلق من تراب: عجن التراب بالماء، فأصبح طيناً، ثم ترك الطين حتى أنتن فأصبح حمأً مسنوناً، خلق منه الإنسان وترك حتى يبس فأصبح صلصالاً كالفخار، إلى غير ذلك.