للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قصر الحوريات في الخيام وما يستفاد من الآية]

قال الله سبحانه وتعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢] يستفاد منه: أن الحور مقصورة في خيمتها، وهذا الأصل في النساء: القرار في البيوت، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣] أي: نحن لا نخالط الرجال ولا نزاحمهم، فسننتظر حتى ينتهي القوم من سقياهم، وبعد ذلك نسقي، والذي حملنا على ذلك وعذرنا في ذلك أن أبانا شيخ كبير، فهذه المقالة جمعت معنيين طيبين من هاتين الفتاتين.

أولهما: قولهما: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} [القصص:٢٣] أي: حتى ينتهي الرعاء من سقياهم وينصرفوا، فليس لنا أن نزاحم الرجال ونخالطهم.

ثانيهما: حين أومأتا إلى الحامل لهما والعذر لهما في هذا الخروج من أصله بقولهما: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣] فلم تكن إحداهن ولاّجة ولا خراجة، لم تكن إحداهن كثيرة الخروج وكثيرة الدخول، بل كن مستقرات في البيوت، وإذا حملتهن الحاجة على الخروج استترت وخرجت، وهذا أمر قد قدر عليهن رضي الله عنهن.

وقد قال الله لنساء نبيه -وهن خير أسوة-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣] ، وأيضاً قال عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) فكل هذه النصوص تحمل أهل الإيمان وأصحاب الغيرة على أن يقروا نساءهم في البيوت، وأن لا يخرجوا النساء إلى الأعمال التي فيها مزاحمة للرجال كما في المصالح الحكومية، وفي المدارس، والمواصلات، فيتعلمن الرجولة التي تذم في النساء: (فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء) .

فمن وسع الله عليه ولم يكن في حاجة إلى عمل زوجته إلا الاستزادة من عمل الدنيا، فليعلم أن هذا هو هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر ربنا إذ قال لنساء نبينا وهن خير أسوة: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} [الأحزاب:٣٣] ، وقال الله سبحانه عن نساء الجنة: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢] ، والخيام جمع خيمة.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، لا يراهم الآخرون) ، وفي رواية: (الخيمة لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون لا يراهم الآخرون) .

وفي هذه اللفظة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للمؤمن فيها أهلون لا يراهم الآخرون) ، استدل بعض العلماء على أن الحور المعدة لكل رجل تفوق الاثنتين، فقد وقف بعض أهل العلم مع قوله صلى الله عليه وسلم: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لكل امرئ منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن) ، فَقَصْرُ الحورِ المعدة لكل رجل على زوجتين ضعيف من وجوه: أولاً: في حديث رسول الله: (للمؤمن فيها أهلون لا يراهم الآخرون) .

ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الشهيد: (إنه يزوج اثنتين وسبعين من حور العين) .

وهنا على سبيل الجمع: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:٧٢-٧٥] .