للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفقد أحوال والدي الزوجة والإحسان إليهما]

ومن حقه: أن يتفقد حاله، وينظر إذا كان محتاجاً إلى معونةٍ ومساعدة، يقول العلماء: (صلة الرحم لم تأت من فراغ) ، أي: أن الإنسان حينما أمر بصلة رحمه وبرهم وزيارتهم، فليست خالية من معنى ومقصد وهو: أن يتفقد حالهم؛ فإن كانوا محتاجين ويستطيع المساعدة بذل، ولو بالقليل الذي يستطيعه، وإن كانوا مفتقرين إلى معونة معنوية كأن يدعوهم إلى الثبات على مصيبة أو بلية ثبتهم، ومن ذلك إذا كان مريضاً عاده، وإذا كان في نكبةٍ ثبته على الصبر واحتساب الأجر، ونحو ذلك مما يحتاج إليه عند الشدائد والملمات.

ومن أكمل ما يكون من الزوج: أنه إذا نزلت بأهل زوجه بلية أو مصيبة وجدوه أول رجل يطرق بابهم.

وإذا أُصيبَ والد زوجته بحاجةٍ وفاقة كان أسبق الناس بالوقوف معه ومعونته ومساعدته؛ لعلمه أن الله يرضى عنه، ولعلمه أنه إذا وصلهم وصله الله، وأنه إذا أعطى أخلف الله عليه في دينه ودنياه وآخرته، فحري بالزوج أن يسمو إلى الكمالات، وأن يبذل ما يستطيع من التضحيات والمواقف الطيبة التي تنبئ عن طيب معدنه وزكاة نفسه وحبه للخير، وما يريده لأهل زوجه.

وعليه: إذا وجد من أهل زوجته إذا قام بهذه الحقوق ووجد من أهل زوجته ما ينتظر من تقدير معروفه وتقدير سعيه أن يحمد الله عز وجل وأن يشكره، وإذا وجد منهم نكران الجميل وكفران النعمة ونسيان الفضل فليعلم علم اليقين أن الله تعالى يقول في كتابه: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:٣٠] .

فأكمل ما يكون الأجر إذا بُليَ الزوج برحمٍ يصلهم فيقطعونه، ويعطيهم فيحرمونه، ويرفعهم فيضعونه، فإن كان كذلك فكأنما يسفهم الملّ، فمن أفضل ما تكون الصدقة والإحسان والبر للقريب الكاشح، وهو القريب الذي يكاشحك العداوة وتجد منه السوء والضر وأنت تبذل له الخير والنفع، ولا شك أن ذلك أعظم ما يكون أجراً، وأثقل ما يكون عند الله عز وجل صلةً وبراً؛ لأن الذي يصل في مثل هذه المواقف، ويبذل لمثل هذا النوع، إنما يريد وجه الله ولا يريد شيئاً سواه، واعلم أنك تعامل الله وأن هذا واجب عليك دعاك إليه الله جل جلاله، فإن قصروا في حقك فلا تقصر في حقهم، قال صلى الله عليه وسلم: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) .

ذكر بعض العلماء: (أن بعض طلابه كان يأتيه والد زوجته فيسبه ويؤذيه، ويذكر عند الشيخ أموراً عجيبة مكذوبةً ملفقة على هذا الطالب، والطالب لا يعلم أن والد زوجته يأتي إلى هذا الشيخ، فكان والد زوجته يقول الزور والكذب ويتهم الزوج بما ليس فيه، من أجل أن يقول له: انصحه وذكره، وهذا لا خير فيه وهذا كذا وكذا فإذا جاء الطالب سأله الشيخ كيف حاله مع رحمه؟ فقال: نِعمَ الرحم ونعم الناس، وهو من بالغ ما يكون في الإحسان إليهم والتودد والملاطفة لهم، فاستحلفه بالله يوماً من الأيام، فقال له: والله ما غششت ولا كذبتُ عليك، ليس بيني وبينهم إلا الود والمحبة، وإني قائمٌ بكذا وكذا، وذكر ما يكون من بره وإحسانه، قال: فتأثر الشيخ تأثراً كبيراً مما كان من حال والد الزوجة، فقال له: أي بني إن والد زوجتك يقول كذا وكذا، فاتق الله عز وجل فيه إن كنت كاذباً، وإن كنت صادقاً فاصبر على ما يكون منه، فبكى ذلك الطالب وحلف بالله العظيم أنه صادقٌ فيما يقول، فلما حلف بالله العظيم انتظر الشيخ مجيء والد زوجته، فقال له: إنك زعمت كذا وكذا، فقال له: إي والله، إنه كان كذا وكذا، قال: وتحلف بالله؟! قال: نعم، وأحلف بالله، فدعا عليه الشيخ: وقال: أسأل الله العظيم ألا تمسي سالماً يومك هذا إن كنت كاذباً، يقال، فما غربت الشمس إلا وهو مشلول والعياذ بالله! فالظلم ظلمات، فإذا كنت ترى من والد الزوجة الإهانة والإذلال فاعلم أنك تعامل الله، وأنك تتقي الله في رحمٍ وصّى الله به من فوق سبع سماوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>