للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حقوق الزوجة على زوجها]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على نهجه ومنواله إلى يوم الدين.

أما بعد: فلا زال حديثنا موصولاً عن الحقوق الزوجية، وقد تقدم في المجلس الماضي بيان ما فرض الله على الزوجة تجاه زوجها، وفي هذا المجلس سيكون حديثنا إن شاء الله عما أوجب الله عز وجل على الزوج تجاه زوجته، وهذا من عدل الله تبارك وتعالى، فإن الله سبحانه عدل بين الزوجين، فأمر الأزواج وأمر الزوجات ولم يخص واحداً منهما بالأمر، حتى لا يكون ظلماً للآخر: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:١١٥] .

فرض الله على الأزواج حقوقاً تجاه زوجاتهم، هذه الحقوق من حفظها وحافظ عليها وأداها على وجهها فقد حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهله، قال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً) ، ومن حفظ هذه الحقوق وحافظ عليها فإنه من خيار عباد الله المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ، فهي الحقوق العظيمة التي فرضها الله على زوجٍ يخافه ويتقيه، ويعلم علم اليقين أنه محاسبه ومجازيه، هذه الحقوق إذا قام الأزواج بها على وجهها كانت السعادة والطمأنينة، وشعرت المرأة بفضل الزوج، وأنه مؤمن قائم لله عز وجل بحقه وحقوق عباده، وإذا رأت المرأة من زوجها الاستهانة والاستخفاف بحقوقها تنكد عيشها وتنغصت حياتها، حتى أنها ربما لا تستطيع أن تقوم بعبادتها على وجهها؛ بسبب ما ينتابها من الوساوس والخطرات، وبما تحسه من الظلم والاضطهاد والأذية.

ولذلك قال العلماء: إن إضاعة حقوق الزوجات أعظم من إضاعة حقوق الأزواج؛ لأن الزوجة إذا ضاع حقها لا تدري ماذا تفعل، ولا أين تذهب، وهي تحت ذلك الزوج الذي يمسكها للإضرار والتضييق عليها.

وأما الرجل فإنه إذا ظلمته المرأة وضيعت حقه استطاع أن يطلق، وقد يكون بقوته وما أعطاه الله من الخلقة وفطره عليها يستطيع أن يصبر ويتحمل، ولكن المرأة لا تستطيع ذلك.

ولهذا قال العلماء: ظُلم النساء في حقوقهن عظيم، والمرأة إذا ظُلمت ضاقت عليها الأرض بما رحبت، فتحس أنها قد فشلت في حياتها، وأنها لا مفر لها من هذا البلاء، وليست كالزوج الذي يطلق وينفك من بلائه، ولهذا يكون مفرها إلى الله، وشكواها إلى الله، وتبث حزنها إلى الله، وكفى بالله ولياً، وكفى بالله نصيراً.

ولذلك أنزل الله في كتابه آية المجادلة، وأخبر أنه سمع شكوى المرأة من فوق سبع سماوات، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (إني لمن وراء الستر يخفى عليّ بعض كلامها، وهي تقول: إلى الله أشكو ثعلبة، إلى الله أشكو ثعلبة، قالت: فسمعها من فوق سبع سماوات، فسبحان من وسع سمعه الأصوات!) .

فالمرأةُ إذا ظُلمت وضيّق عليها واضطهدت لا تستطيع الشكوى إلا إلى الله، بل يبلغ ببعض النساء أنه يضيع حقها، وتضطهد في بيتها، وتُظلم من زوجها، ولا تستطيع الشكوى لا لأبيها ولا لأخيها ولا لقرابتها وفاءً لبعلها وزوجها، وقد لا تستطيع الدعاء عليه ولا شكوى أمره إلى الله؛ لأنها تحبه ولا تريد السوء له، وهذا يقع في المرأة الحرة الأبية؛ ولذلك تقع بين نارين لا تستطيع الصبر عليهما إلا بالله عز وجل.

هذه الحقوق التي فرضها على الأزواج تنزلت من أجلها الآيات، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أمام أصحابه في آخر موقف وعظ به أكثر أصحابه في حجة الوداع، فكان مما قال: (اتقوا الله في النساء) .

<<  <  ج: ص:  >  >>