للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ميزة الكلمات الكونية]

أما الكلمات الكونية فهي كلمات الفعل التي يخلق الله بها خلقه ويدبر بها أمره، وهذه تمتاز بأنها يخاطب بها كل شيء من خلق الله، ولا يجتبى لها ولا يختار، بل يخاطب بها المؤمن والكافر والشجر والحجر وغير ذلك فيقال للشيء (كن فيكون) .

وهذه الكلمات تمتاز أيضاً بأنها لا حصر لها ولا يمكن أن تعد، كما دلت على ذلك الآيات: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي)) } [الكهف:١٠٩] معناه: الكلمات الكونية: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف:١٠٩] ، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:٢٧] ، ولا يقصد به هذا القرآن، فأنت تستطيع أن تكتبه بيدك ولا تنفذ أقلامك ولا مدادك، لكن المقصود الكلمات الكونية التي لا تنحصر.

وهناك ميزة أخرى للكلام الكوني: وهو أنه مستمر لا انقطاع فيه، فهو الذي به تدبير الأمر كله في الدنيا والآخرة، وهذا الكلام نسب إلى الكوني بلفظة (كن) ؛ لأنه جاء فيه لفظ: (كن) ، في قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠] ، ولقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] ، فهي تكوينية، وليس معناها أنها منسوبة إلى الكون، بل هي منسوبة إلى (كن) التي هي فعل أمر التكوين، فبها يكون الله ما شاء من خلقه؛ ولهذا يخاطب بها العاقل وغير العاقل، ويخاطب بها الكافر والمؤمن.

فالكلمات التشريعية يقف عندها البر ويتعداها الفاجر، فالبر إذا جاءه أمر الله الصريح في القرآن: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:٧] : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:٦] امتثل ذلك، والفاجر إذا جاءه هذا لم يمتثل.

فإذاً: ليس فيها إجبار ولا إكراه، بل فيها تخيير {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩] ومعناه: أن الكلمات الشرعية هي تشريعات هذا التشريع، أما الكلمات الكونية فإنها تسيير لا محيد عنه، ولا يستطيع أي شيء أن يخالفه؛ فلذلك هي التي لا يتعداها بر ولا فاجر، فالبر إذا قيل له: مت، لا يستطيع أن يمتنع، والفاجر إذا قيل له: مت، لا يستطيع أن يمتنع، فالنفوس جميعاً بيد الله، وإذا قال: (كن) لا يستطيع شيء أن يتخلف ولا أن يتأخر ساعة ولا أن يتقدم: {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>