للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على صفة العين]

وأما العين فقد جاء إثباتها صفة لله سبحانه وتعالى، والنص لم يرد فيه التصريح بأنها محل البصر، لكن اقتضاء ذلك وارد، فالعين التي ثبتت في النصوص تقتضي البصر، وتقتضي الإحاطة والإدراك، وتقتضي الرعاية والحفظ، كل ذلك من متعلقات هذه صفة العين.

وقد جاء لفظ العين في مثل قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر العينين، وإن كان اللفظ لا يصح فيه حديث واحد بعينه، ولكنه بطرق متعددة يمكن أن يجمع ذلك إلى عينين.

وأما الآية التي فيها: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] فإن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال: هذا من مجاز اللغة والمقصود بمجاز اللغة أن الضمير (نا) في أصل دلالته يطلق على الجمع، فإذا أضيف إليه تثنية كان هذا من القبيح في الاستعمال، أي: لو قلت (تجري بعينينا) كان هذا قبيحاً في الاستعمال اللغوي، ولهذا يقول الله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:٤] وهما امرأتان ليس لهما إلا قلبان، لم يقل: (قد صغى قلباكما) وكذلك تقول: قطعت رءوس الكبشين، وليس للكبشين إلا رأسان لكن هذا هو الأفصح في اللغة، ولذلك يقول المختار بن بونا رحمه الله: ورجح الجمع فالإفراد فما ثنوا على الأصح في اثنين هما جزءاً مثنىً خفضا فالأرجح في اللغة الجمع فقالوا: قطعت رءوس الكبشين، (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) ثم بعد هذا الإفراد فتقول: قطعت رأس الكبشين، فهي أفصح في اللغة من قولك: قطعت رأسي الكبشين، وإن كانت التثنية واردةً في اللغة مثل قول الشاعر: أتبكي على ليلى ونفسك باعدت فزادك من ليلى وشعباكما معا فما حسن أن تأتي الأمر طائعاً وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا شعباكما معاً: ثنى المضاف إلى الاثنين وهو خافض لهما.

وقوله: (المتصف) أبلغ مما لو قال الموصوف؛ لأن الموصوف لا تقتضي إثباتاً للصفة، وإنما تقتضي أنه وصف بذلك، أي: وصفه الواصفون بذلك، لكن (المتصف) تقتضي أنه متصف بذلك فعلاً، وهو أعم أيضاً من قولنا (الموصوف) ؛ لأن الموصوف معناه: ذكر الصفات المعلومة لنا التي وصفه بها الواصفون، أما المتصف فإنه يشمل ما ذكرناه نحن وما لم نذكره من كل أوصاف الكمال، فكل كمال هو ثابت له سواء عرفناه تفصيلاً أو لم نعرفه، وكل نقص فهو منتف عنه سواء عرفنا ذلك أم لم نعرفه، نطقنا بذلك أولم ننطق به، ولذلك قال: (المتصف بما به في نوعي الوحي وصف) .

أي: بما وصف به في نوعي الوحي، ونوعا الوحي هما الكتاب والسنة فكلاهما وحي، فالكتاب لا جرم أنه وحي من عند الله سبحانه وتعالى، والسنة كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>