للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كلام الله حروف وأصوات لائقة بجلاله]

قال: [بل الحروف والمعاني وردا والله بالصوت يكلم غدا] وقوله: (بل بالحروف والمعاني ورد) ، أي: بل القرآن نزل من عند الله بالحروف وبالمعاني، فكل ذلك كلام الله، حروفه من كلام الله ومعانيه من كلام الله.

والذي يحذرونه هو نسبة الأصوات إلى الله؛ لأنهم يظنون أن الصوت مثل صوت المخلوق، وأنه عرض يحل بالجسم، ويقولون: لا يحل الصوت إلا في جسم مجوف، وهذا إنما محله في الجسم الحادث، أما الصوت المنسوب إلى الله سبحانه وتعالى فعلى ما يليق بجلاله، ولا يشبه أصوات المخلوقين، فلهذا قال: (والله بالصوت يكلم غدا) .

وصفة الصوت أيضاً ثابتة في حديث آدم: (إن الله ينادي آدم، فيناديه بصوت: أخرج بعث النار، فيقول: يا رب! من كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك يوم {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢] ) .

والمقصود بالصوت هنا: كلام الله على ما يليق بجلاله، لا يشبه أصوات المخلوقين، ولا تشبهه أصوات المخلوقين.

وقوله: (يكلم غداً) ، أي: يوم القيامة يكلم آدم بصوت.

ثم قال: [ولا تقل ذا الصوت عن تموج هواء أو تخلل فيه يجي أو حرفه كيفية تحدث له بالضغط جل الله أن نمثله] بالنسبة للصوت يجب الإيمان به كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نعلم أنه على ما يليق بجلاله، وأنه منزه عن أن يكون مشبهاً لأصوات المخلوقين.

وإذا ثبتت الصفة لله سبحانه وتعالى فإننا نعلم أنها صفة كمال، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين التي هي صفات نقص وعجز، فإن صفات المخلوقين ناشئة عن عجز، وأصواتهم إنما أخرجوها لأنهم يحتاجون إليها، والله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى شيء؛ فهو الغني الحميد، ولذلك قال: (ولا تقل ذا الصوت) أي: الصوت الذي يخاطب الله به آدم يوم القيامة.

وقوله: (عن تموج هواء) أي: لا تقل هذا؛ لأن هذا إنما هو في صوت المخلوق فقط.

وقوله: (أو تخلل فيه يجي) أي: تخلل في الهواء يجيء ذلك الصوت منه كحال أصوات المخلوقين، فإن أصوات المخلوقين إنما هي الهواء المنطلق من الرئة، فيضغط عليه في مكان معين فيخرج صوت.

وقوله: (أو حرفه كيفية تحدث له) ، كذلك لا تقل: إن الحروف كيفيات تحدث له؛ فهو سبحانه وتعالى منزه عن الغِيَر فلا يمكن أن تحل به الحوادث والآفات، فلذلك كانت الحروف التي أنزل بها القرآن والتي تشكل منها كقوله: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة:١-٢] ، ونحو ذلك، فهذه الحروف نسبتها إلى الله سبحانه وتعالى ليست مثل نسبتها إلى المخلوق، فالمخلوق إنما ينطق بالحروف على كيفية تحدث له بالنطق، والله سبحانه وتعالى مخالف للمخلوق، فحرفه وكلامه على حسب ما يليق بجلاله وعظمته مما هو مخالف لحال خلقه.

وقوله: (تحدث له بالضغط) أي: بالضغط على الهواء في مكان معين حتى يخرج الحرف، فهذا للمخلوق لا للخالق.

<<  <  ج: ص:  >  >>