للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[منهج الصحابة في الصفات هو الإمرار والإقرار]

وقوله: (كما يفهم من فيهم نزل) معناه: كما فهمه من نزل فيهم الوحي، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعون الذين عاصروهم من المخضرمين، فإنهم فهموا هذه النصوص ولم يستشكلوا شيئاً منها، ولم يفهموا فيها تشبيهاً، ولم يفهموا أنها ألغاز، ولم يفهموا أنها لا معنى لها، بل فهموها وسلموا لها وانتهى الأمر عندهم، والشيخ في منظومة أخرى يقول: الظاهر الذي عليه نبقي موهم تشبيه لرب الخلق هو الذي أهل اللسان فهموا إذ نزل الوحي به عليهم فلا أبو بكر لخير الرسل يقول أشكل علي اشرحه لي ولا أبو جهل يقول اختلفا أثبت ما من التماثل نفى حين أنزلت هذه الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] لا أبو بكر استشكل هذا وقال: كيف يكون مخالفاً للحوادث وهو مع ذلك السميع البصير، فأثبت له الصفات ولكن نفيت مشابهته للخلق مع أن هذه الصفات موجودة في الخلق؟ لم يستشكل أبو بكر هذا.

ولا أبو جهل أيضاً يلتمس فيه تناقضاً مع أنه يبحث عن أي تناقض: وهذا اللفظ الظاهر هو من الألفاظ التي يستفصل فيها، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الظاهر ظاهران: ظاهر هو الذي يفهمه أهل اللغة وقت نزول الوحي، وهذا هو الذي تقر عليه الصفات ويؤمن بها على حسبه، وظاهر هو الذي يفهمه من ليس من أهل اللغة بقياسه على المخلوق، وهذا قطعاً ممنوع، وكلاهما يتكلم فيه بعض العلماء، فيظن الناس أنهم على خلاف وعلى طرفي نقيض، والواقع خلاف ذلك، فمثلاً إذا قال المقري وهو من الأشاعرة: واللفظ إن أوهم غير اللائق بالله كالتشبيه بالخلائق فاصرفه عن ظاهره إجماعاً واقطع عن الممتنع الأطماعا فإنما يقصد الظاهر الذي يفهمه الإنسان تشبيهاً، ولذلك لم يقل: إن الألفاظ تقتضي هذا، وإنما قال: (واللفظ إن أوهم) فقط (فاصرفه عن ظاهره إجماعا) ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.

والآخرون الذين يقولون: تقر النصوص على ظاهرها، مقصودهم بذلك معناها الذي فهمه أبو بكر وقت نزولها، وفهمه الصحابة وقت نزولها، وفهمه التابعون ولم يستشكلوا منها شيئاً، وهو الذي يفهمه أهل اللغة بسليقتهم.

وهذان المعنيان استوعبهما الشيخ في قوله بعد الأبيات التي ذكرناها عنه: وهو الذي في قول باب المرتضى سيف الهدى العضب الحسام المنتضى ما أوهم التشبيه في آيات وفي أحاديث عن الثقات فهو صفات وصف الرحمن بها وواجب بها الإيمان ثم على ظاهرها نبقيها ونحذر التأويل والتشبيها قال بذا الثلاثة القرون والخير باتباعهم مقرون وهو الذي فصّله القرآن والسنن الصحاح والحسان وكم رآه من إمام مرتضى من الخلاء في بني أولي الرضا ومن أجاز منهم التأويلا لم ينكروا ذا المذهب الأصيلا والحق أن من أصاب واحدْ لا سيما إن كان في العقائدْ ووافق النص وإجماع السلف فكيف لا يتْبع هذا من عرف فمن تأول فقد تكلفل وغير ما له به علم قفا وفي الذي هرب منه قد وقع وبعضهم عن قوله به رجع يقصد به الأشعري -رحمه الله-: حتى حكى في منعه الإجماعا وجعل اجتنابه اتباعا وقد نماه بعض أهل العلم من الأكابر لحزب جهم يقصد الإمام أحمد رحمه الله: فاشدد يديك أيها الموفق على الذي سمعته من الحق وظاهر فصرفه عنه يجب وهو الذي يفهمه من قد حُجب فهو يسير في الظلام الدامس رهن موانِ الفتنة الطوامس وهو الذي يقول فيه المقري المغربي المالكي الأشعري واللفظ إن أوهم غير اللائق بالله كالتشبيه بالخلائق فاصرفه عن ظاهره إجماعا واقطع عن الممتنع الأطماع وقول المقري هنا: (فاصرفه عن ظاهره) كان الأولى أن يقول: فاصرفه عن موهمه، أي: عن الذي يتوهمه به المشبه فقط.

قال: (كما يفهم من فيهم نزل) أي: من نزل الوحي فيهم، ولم يقل (من نزل عليهم) ؛ لأن الوحي لم ينزل إلا على محمد صلى الله عليه وسلم وحده، والصحابة لم ينزل عليهم الوحي، لكن نزل فيهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>