للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى التكييف]

(من غير ما تكييف) "ما" زائدة، والمعنى: من غير تكييف، والتكييف معناه: التماس الكيفيات، لا تقل: كيف؟ والكيف عنه مرفوع كما قال مالك، لا تبحث عن كيفية الصفة، ولا عن كيفية اتصافه بالصفة، فالكيف يشتمل أمرين هما: كيفية الصفة نفسها، وكيفية اتصافه بالصفة، فمن الصفات مثلاً ما يبحث فيه أصحاب التشبيه عن كيفية الصفة: كالوجه، والعين، واليد ونحو ذلك، ومنها ما يبحث فيه عن كيفية اتصافه بها، وذلك مثل: العلم والإرادة والقدرة والرحمة.

وهذا البحث هو الذي جعل كثيراً من الناس يشبهه بالبشر تعالى الله عن ذلك، وجعل آخرين أيضاً يبحثون عن كيفية اتصافه بالصفات، فيصلون إلى ما يسمى بالمعنويات، وهي الأحوال التي قالوا فيها: إنها واسطة بين الوجود والعدم، فيقولون مثلاً: نثبت لله الحياة، ونثبت صفة أخرى غير الحياة وهي كونه حياً، ونثبت لله صفةَ العلم، ونثبت له صفةً أخرى وهي كونه عليماً، ونثبت له صفةَ الإرادة، ونثبت له صفةً أخرى هي كونه مريداً، ونثبت له صفةَ القدرة، ونثبت له صفةً أخرى وهي كونه قديراً، ونثبت له صفة السمع، وصفةً أخرى وهي كونه سميعا، وصفة البصر وصفةً أخرى وهي كونه بصيراً، وصفة الكلام وصفةً أخرى وهي كونه متكلماً.

وأول من قال هذا ونشره هو: الفخر الرازي في كتابه: المحصل، وقال: إن هذه الأحوال وهي كونه حياً، عالماً، مريداً، قادراً، سميعاً، بصيراً، متكلماً، وهي سبع صفات، قال: إنها واسطة بين الوجود والعدم، فلا هي موجودة ولا هي معدومة؛ لأنها لو كانت معدومةً لما اتصف بها، ولو كانت موجودة لكانت معنىً زائداً على أصل الصفة، فهي من الأمور المعضلة التي ذكرها الفخر الرازي ولا داعي لها أصلاً؛ لأنها من البحث في التكييف.

<<  <  ج: ص:  >  >>