للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إضافة الذات إلى العلم نادر وشاذ]

ونظم القاعدة في قوله: وقل أن تضاف ذو إلى العلم إضافة لفظ (ذو) إلى علم نادرة جداً، وقد ذكر ما ورد منه وهو: (ذو تبوك وذو مكة) ذو تبوك.

أي: أميرها وقائدها، وتبوك: اسم محلة دون الشام أو من الشام، وكانت عيناً في الجاهلية ولم يكن عليها سكنى، وإنما عسكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن يصل إليها أمر من سبقه إلى العين ألا يأخذ شيئاً من مائها، فسبقه رجلان فانصرفا للماء فدعاهما ووبخهما على ذلك توبيخاً شديداً، كما في الصحيح ثم قال لـ معاذ: (يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً) فكان ذلك بعد أن مضت سنوات قليلة حتى كانت تبوك جناناً، وملئت بالحياة والزراعة والنخل، وما زالت كذلك إلى اليوم، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فتوضأ فيه وأمر أن يصب ذلك في عينها، فلم تغر من ذلك الوقت ببركة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك ذو بكة: جاء هذا في حجر وجده ابن الزبير داخل الكعبة حين هدمها لإعادة بنائها، فوجد فيها حجراً كتب عليه: أنا الله ذو بكة، حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض (ذو بكة) معناه: مالك مكة وبكة هي مكة كما جاء ذلك في القرآن في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:٩٦] فبكة من البك وهو الإهلاك؛ لأنها تبك الظالمين، فإنها لم يعتد فيها ظالم من قبل إلا أهلكه الله، كما قالت القرشية لابنها: أبني لا تظلم بمكة لا الكبير ولا الصغير أبني قد جربتها فوجدت ظالمها يبور الله آمنها وما بنيت بساحتها القصور ولقد غزاها تبع فكسا بنيتها الحبير يمشي إليها حافياً بفنائها ألفا بعير والله آمن طيرهاوالعصم تأمن في ثبير وقد كان أهل الجاهلية يشاهدون هذا، ولكن عندما جاء الإسلام رفع ذلك، كما قال ذلك ابن عباس: قد كان ذلك في الجاهلية حيث لا حاكم يردع عنها، فكان الذئب يطرد الأرنب فتدخل في الحرم فيرجع عنها، وكان الإنسان يعصي الله من الليل في مكة فيفضحه الله من النهار، وتسلط عليه بائقة من البوائق: إما أن تنزل عليه صاعقة، أو أن تأتيه حية بين الناس فتأخذه، أو نحو ذلك، فلما جاء الإسلام رفع الله بالسلطان والقرآن ما كان يردعه مباشرة، وأصبح الناس يذنبون في الحرم فلا تعجل لهم العقوبة، لكن ذلك سيزيد عليهم؛ لأن الذنب يعظم بحسب الزمان والمكان.

وقول ابن مالك: (وذات أنثاه ذوات الجمع) أي: ذات هي التي تطلق على مؤنث ذو.

(ذوات الجمع) أي: ذوات هي جمع ذات، (وجريان الأصل مثل الفرع) جريان الأصل وهو ذو تجري فروعه كلها فذات، وذوات، وذوو كلها لا تضاف إلى العلم ولا تضاف إلى الضمير إلا نادراً، فمن إضافتها إلى العلم قوله: ذو بكة، وقوله: ذو تبوك، ومن إضافتها إلى الضمير قول الشاعر: صبحنا الخزرجية مرهفات أباد ذوي أرومتها ذووها ذوو عروبتها ذووها: ذووها أضيفت إلى الضمير هنا، وهذا نادر جداً لم يسمع منه غير هذا البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>