للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد بالقاعدة على المشبهة والمعطلة]

هذا شروع في وضع قواعد لتوحيد الأسماء والصفات، وهذه القواعد أهمها قاعدتان: أولاهما: أن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذه القاعدة هي التي نظمها في هذا البيت بقوله: (وما نقول في صفات قدسه فرع الذي نقوله في نفسه) أي: إن الكلام في صفاته مثل الكلام في ذاته، وهذه مزيلة لكل إشكال، سواء كان من جهة المعطلة أو من جهة المشبهة: أما من جهة المعطلة: فإنهم يثبتون له نفساً هي الذات عندهم، وهم يعرفون أن للمخلوق ذاتاً ومع ذلك لا يقتضي إثبات أن له ذاتاً وأن للمخلوق ذاتاً التشبيه قطعاً عندهم! فما الفرق بينها وبين الوجه واليدين والعين والقدم والساق؟! لا فرق، وهم إنما نفوا الصفات فراراً من التشبيه، فلماذا لم ينفوا الذات كذلك فراراً من التشبيه؟ وأما من ناحية التشبيه: فإن المشبهة سبب غلطهم هو فهمهم لهذه الصفات على مقتضى مشابهتها للمخلوق، ومع ذلك فهم يثبتون لله ذاتاً ولا يشبهونها بذوات المخلوق فما الفرق؟ أي: إذا كانوا يؤمنون بأن له ذاتاً لا تشبه ذوات المخلوقين، ولا ينبغي لها أن تشبه أي شيء، فلماذا يشبهون صفاته بصفات الخلق؟ فالقول في الصفات كالقول في الذات، فهذه القاعدة من أهم القواعد في هذا الباب؛ لأنها قاضية على الاتجاهين معاً، وهي أبلغ شيء في رد هذه الانحرافات التي تنشأ في هذا الباب.

قوله: (فما نقول في صفات قدسه) أي: في صفاته المقدسة، والقدس بمعنى الطهارة والنزاهة، يقال تقدس بمعنى تطهر، ويطلق ذلك على الله سبحانه وتعالى للدلالة على تنزهه عن كل نقص، فهو المنزه عن كل نقص.

وأضاف الصفات إلى القدس لتعظيمها؛ لأن هذه الصفات مقتضية لإثبات الكمال ولنفي النقص؛ فلذلك كانت صفات قدس.

قوله: (فرع الذي نقوله في نفسه) أي: مرتب عليه فهو فرع عنه؛ لأننا إذا أثبتنا أن له نفساً مخالفة لأنفس المخلوقين، فكذلك نثبت له ما أثبته لنفسه من الصفات التي تخالف صفات المخلوقين، ولا تشبهها بوجه من الوجوه.

ورتب على هذه القاعدة قوله: [فإن يقل جهميهم كيف استوى كيف يجيء فقل له كيف هو] أي: إذا قال المعطل وهو الذي يسمى بالجهمي نسبة إلى الجهم بن صفوان: كيف استوى؟ معناه: سأل عن الكيف في صفات الذات: كيف الوجه، أو اليدين، أو العين؟ أو سأل عن الكيف في الصفات الفعلية كالمجيء والاستواء والنزول ونحو ذلك؟ فجوابه أن يقال له: كيف هو؟ أي: لماذا لا تطلب الكيف في ذاته وتطلب الكيف في صفاته؟ فهو لا يمكن أن يوجه إلينا سؤالاً عن كيفية ذاته؛ لأنه مؤمن بها مسبقاً، وإنما أشكل عليه إثبات هذه الصفات التي جنسها في الاسم ثابت للمخلوق؛ فلذلك إذا أعيد عليه السؤال فسئل عن كيفية ذاته فإنه يقول: أنا أؤمن بأن له ذاتاً لكني جاهل بكيفيتها، فيقال: كذلك آمنت بأن له هذه الصفات وأنت جاهل بكيفياتها.

وكلام السلف في نفي الكيف المقصود به: نفي استيعابه وإدراكه، وإلا فالكيف من المقولات اللازمة لكل صفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>