للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من الصفات الفعلية: المجيء والإتيان]

فمن صفات الأفعال قوله: (يأتي) : وهذه الصفة ثابتة بكتاب الله لقول الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:١٥٨] (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) هذا إثبات لهذه الصفة، وقد جاء تفسير ذلك: أن الباري سبحانه وتعالى عندما يحشر الناس إليه وينادى فيهم: هلموا إلى ربكم! فيخرجون: {مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس:٥١] يجمعون بالساهرة، وهي أرض بيضاء كالكرسفة، فيرى الشخص الواحد كل من كان على هذه الأرض منذ آدم إلى نهاية الدنيا، يحيط بهم البصر، ويؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك، وتحيط بالناس من كل جانب، ويصف الملائكة صفاً بأجناسهم، ويتجلى الباري سبحانه وتعالى لفصل الخصام: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧] فيظل بظل عرشه من شاء من عباده، ويمنع من شاء من ذلك، ففي هذا جاء قول الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٢-٢٤] .

فمن هنا كان ذكرنا لهذه الصفات إنما يقتضي العمل على لازمها، وألا نقرأها صفات مجردة كما يحصل لدى كثير من الناس، فكثير من الناس يقرأ هذه الصفات على أنها مجرد معان يفهمها، أو ألفاظ يلوكها بلسانه ولا تؤثر في عمله، ولا في شعوره، ولا في محبته لله، ولا في إخلاصه له، ومن هنا تصبح هذه المادة مقتضية للقسوة والغلظة، بعد أن كان المقصود منها الترقيق والمحبة والعاطفة في التعامل مع الله سبحانه وتعالى، والإقبال عليه بقلب سليم.

وفي قوله: (يجي) إثبات لهذا الفعل وهو فعل المجيء، والمجيء هو والإتيان واحد؛ لكن لأن الله سبحانه وتعالى أثبت الفعلين في كتابه، فإن الله سبحانه وتعالى قال: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) وقال: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:٢١٠] نعم: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [هود:١٠٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>