للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيف يتحاور أهل النار فيما بينهم في النار مع شدة العذاب عليهم]

السؤال

بعض العوام يستغرب ما يكون في النار من كلام أهلها والحوار بينهم، مع العذاب الشديد؟ الجواب عن ذلك: أن هذا من عذابهم، وأن الله يعذبهم بإقامة الحجة عليهم، حتى يستطيع بعضهم أن يكلم بعضاً، مع أن حرارة هذه النار لا تتصورونها: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦] ومع ذلك فهذه الشمس ستكون عقيرة في النار، وحرارتها المتوقعة أكثر من أربعة عشر مليون درجة حرارية، يعني: أن نسبة معينه من الاقتراب منها تعدم الأشياء إعداماً مطلقاً، فضلاً عن أن يلتصق بها الشيء أو أن يكون قريباً منها، ولذلك فأشعتها التي تنطلق منها هي انفجارات نووية هائلة، ففي الثانية الواحدة يقع عدد كبير جداً من الانفجارات النووية على سطح الشمس! ومع ذلك فهذه الشمس لا تساوي شيئاً من حرارة جهنم ولا أي نسبه مئوية! والله تعالى مع ذلك يخلق لأهل النار هذه القدرة على الكلام، وتقع بينهم محاورة؛ ليكون هذا أشد نكاية بهم، وأشد تعذيباً لهم، وذلك مثلما فهم أصحاب القليب وأسمعهم الله كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم موتى، والله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل:٨٠] ، {وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ} [الأنبياء:٤٥] ، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} [فاطر:٢٢-٢٣] ومع ذلك أسمعهم الله كلامه ليكون أبلغ في تعذيبهم، فإذاً هذا لا يخرج عن عذاب أهل النار، نسأل الله السلامة والعافية.

ومن أمثلة حوار أهل النار مع غيرهم: الرجل الذي يرمى به في النار فيقع فيها، فتندلق أقتابه أو أمعائه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فيتأذى به أهل النار فيقولون: يا فلان! أو لم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت أمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه، فهذا حوار بينه وبين أهل النار، مع أن أمعائه قد اندلقت في النار، وهو يدور بها كما يدور الحمار برحاه! ومع هذا فإن عذاب أهل النار ليس درجةً واحدة: فمنه ما يكون بالزمهرير وهو البرد الشديد، ومنه ما يكون بهذا الحر المحرق: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء:٥٩] ومنه ما يكون بالحيات والتنانين والعقارب، ومنه ما يكون بأن يعذب الإنسان بمثل ما قتل به نفسه، وكما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أنه ذهب به الملكان ومرا به على المعذبين، فرأى أنواعاً من أنواع العذاب على الزناة، وعلى القتلة، وعلى أكلة الربا وغير ذلك، وهذا كله لا يمنع من كلامهم فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>