للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عائشة على فراش الموت]

وفي شهر رمضان في السنة الثامنة والخمسين من الهجرة نامت الصديقة على فراش الموت، ودخل عليها ابن عباس رضي الله عنهما، فأبت أول الأمر أن يدخل عليها، فقال لها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن: يا أماه! إنه ابنك، وخير صالحي أمتك وبنيك، يودعك ويسلم عليك، فقالت: ائذن له إن شئت.

وهذه رواية أحمد وابن سعد في الطبقات، وأبي نعيم في الحلية، وسندها صحيح.

فلما دخل عليها ابن عباس رضي الله عنه بشرها وزكّاها.

وفي رواية البخاري قال لها: كيف تجدينك يا أماه؟ فقالت عائشة: بخير إن اتقيت، فقال ابن عباس: أنت بخير إن شاء الله، أنت زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبكر الذي لم يتزوج بكراً غيرك، وأنت زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقالت له عائشة رضي الله عنها: يا ابن عباس! لا حاجة لي في تزكيتك، والله لوددت أني كنت نسياً منسياً.

وهكذا أيها الأحباب! فارقت روحها هذا الجسد الطاهر؛ لتسعد مرة أخرى سعادة أبدية بصحبة الحبيب المصطفى، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، في جنات ونهر، فلقد ورد في صحيح البخاري من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه رضي الله عنه قال: (إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة) .

رضي الله عن عائشة، وصلى الله وسلم وبارك على نبيها وأستاذها ومعلمها، ورضي الله عن أبيها، ونسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بهم في دار كرامته، ومستقر رحمته.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا شقياً ولا محروماً.

اللهم أصلح حكام المسلمين، وأصلح علماء المسلمين، وأصلح شباب المسلمين، وأصلح نساء المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين! أحبتي في الله! أكثروا من الصلاة والسلام على نبينا، فإن الله جل وعلا قد أمرنا بذلك، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.

<<  <  ج: ص:  >  >>