للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التحول الكبير في حياة عمر بن عبد العزيز]

الذي تبدل، وما الذي تغير؟! لقد تبدل كل شيء، وتغير كل شيء، لقد أصبح عمر جديداً، هل نحن أمام فاروق جديد، هل نحن أمام عمر جديد؟! نعم، إن هذا الشبل من ذاك الأسد، لقد تحول عمر تحولا ًعارماً، وتحولاً هائلاً، أتوا إليه بمراسم الخلافة، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذه مراسم الخليفة الجديد، قال: لا حاجة لي بها، ردوها إلى بيت المال، أتوا إليه بثياب الخليفة، قال: ما هذا؟ قالوا: ثياب الخليفة الجديد، قال: لا حاجة لي بها، ردوها إلى بيت المال، أتوه بالجواري والغلمان، قال: ما هذا؟ قالوا: خدم الخليفة الجديد، قال: لا حاجة لي بها، ردوها إلى بيت المال! إنه التقي النقي الزاهد العابد الورع الذي تحول فيه كل شيء، الذي كان بالأمس القريب يركب الصافنات الجياد، ويلبس أبهى الحلل، ويأكل أشهى الطعام، ويسكن أعلى القصور، ما الذي غيره؟! إنها المسئولية التي حملها على عاتقه، إنها تهدهد الجبال وتحطم الصخور والحجارة! ثم دخل إلى بيته تحت ضغط إخوانه: أن يستريح قليلاً، وما كاد عمر يسلم جنبه إلى مضجعه وفراشه المتواضع وإذ بولده التقي النقي! إنه عبد الملك بن عمر، هذا الشاب الذي كان في الخامسة عشر من عمره يدخل على أبيه فيراه نائماً، فينظر إليه ولده ويقول: ماذا أنت صانع يا أمير المؤمنين؟! فيقول والده عمر: يا بني! أريد أن أستريح قليلاً، فإني لم أر في جسدي طاقة، فقال له ولده: تريد أن تغفو ولم ترد المظالم إلى أهلها! فنظر إليه أبوه وقال: يا بني! إني متعب الآن، دعني أنم، وإذا حان وقت صلاة الظهر خرجت وصليت بالمسلمين ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، فرد عليه ولده الورع وقال: يا أمير المؤمنين! وهل تضمن أن تعيش إلى صلاة الظهر؟! فانتفض عمر من فراشه انتفاضة من لدغة حية رقطاء! وكانت هذه الكلمات بمثابة التيار الكهربائي الذي سرى في جسده المتعب، وأثارت هذه الكلمة النوم من عين عمر رضي الله عنه وعن ولده التقي النقي، وقام عمر وضم ولده إلى صدره وقبله بين عينيه وبكى، وقال: الحمد لله الذي جعل من صلبي من يعينني على أمر الله عز وجل.

ولم ينم عمر، وخرج على الفور، وأمر المنادي أن ينادي في الناس: من كانت له مظلمة فليرفعها الساعة إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز.

<<  <  ج: ص:  >  >>