للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وفاة عمر بن عبد العزيز]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم.

ويشاء الله جل وعلا بعد هذا الوقت القليل القصير، الكبير العظيم! أن ينام عملاقنا على فراش الموت، ويدخل عليه ابن عمه مسلمة بن الوليد بن عبد الملك ويقول: يا أمير المؤمنين! ألا توصي لأولادك بشيء، فلقد أفقرتهم وهم كثير؟ ! فقال عمر: وهل أملك شيئاً لأوصي لهم به؟! أم تريد مني يا مسلمة أن أعطيهم من مال المسلمين؟! والله لا أعطيهم حق أحد من المسلمين أبداً! فإن عيالي بين حالين: إما أن يكونوا صالحين فالله يتولى الصالحين، وإما أن يكونوا غير صالحين فوالله لا أدع لهم ما يستعينون به على معصية الله عز وجل! أي فلسفة هذه؟! إما أن يكونوا صالحين فالله يتولاهم {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:٩] إما أن يكونوا صالحين فالله يتولى الصالحين، وإما أن يكونوا غير صالحين فوالله لا أدع لهم شيئاً يستعينون به على معصية الله عز وجل.

ثم قال: أدخلوهم علي، فدخل أولاده وأحاطوا بسريره وعلى رأسهم الأم التقية النقية الوفية الصابرة فاطمة بنت عبد الملك رحمها الله وطيب الله ثراها، ونظر إليهم عمر نظرة حانية، نظرة مبتسمة، وقال لهم كلاماً يفتت الصخور، ويذيب الحجارة! في كلام موجز قليل، نظر إلى أبنائه وقال: يا بني! إن أباكم قد خير بين أمرين: بين أن تفتقروا ويدخل الجنة، وبين أن تستغنوا ويدخل النار، وقد اختار أبوكم الجنة، انصرفوا.

فانصرف الأولاد وانصرفت أمهم، وفي وقت انصرافهم كانت بعثة الشرف من الملائكة في انتظار عمر، فلقد أقبل ملك الموت ليعالج هذه الروح الطيبة الطاهرة النقية، وأقبل ملك الموت وعمر بن عبد العزيز يردد قول الله عز وجل: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:٨٣] .

وهكذا مالت رأسه التي لم تمل أبداً عن حق من حقوق الله، وأغمضت عيناه التي لم تغمض أبداً عن حق من حقوق الله، وآب البطل إلى داره، وعاد البطل إلى رحابه، وعاد البطل إلى ما أراد الله عز وجل له، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

رحم الله ابن عبد العزيز وجزاه الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير ما جزى صالحاً أو مصلحاً.

تلك قدوتنا، وذلكم هو بطلنا، وذلكم هو رائدنا، نسأل الله جل وعلا أن يمن على الأمة بالقائد الرباني الذي يقودها ويسير بها على السواء كما فعل عمر بن عبد العزيز، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح جميع حكام المسلمين، اللهم أصلح حكام المسلمين، اللهم ثبتهم على الحق والهدى، اللهم خذ بنواصيهم إليك، اللهم خذ بنواصيهم إليك، اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم وأبنائهم يا رب العالمين! اللهم أصلح علماء المسلمين وثبتهم يا رب العالمين! اللهم أصلح شباب المسلمين وأصلح نساء المسلمين، اللهم تقبلنا واقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز المسلمين، اللهم انصر كلمة الحق وكلمة الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم صل وسلم وزد وبارك على أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>