للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[زواج النبي من زينب وإبطاله لقاعدة التبني]

وفي يومٍ من الأيام علم النبي صلى الله عليه وسلم أن زيداً حتماً سيطلق زينب لماذا؟ لأن جبريل عليه السلام جاءه وأخبره أن زينب ستكون من زوجاته رضي الله عنهن، وأن الله تعالى سيأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتزوجها بعد تطليق زيدٍ لها لإلغاء القاعدة الثانية التي ذكرتها، ألا وهي قاعدة التبني.

ولما أخبر النبي بذلك على الرغم من قوته وجرأته وشهامته في مقابلة قومه في مسألة التوحيد والشرك، لما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أخفى في نفسه ما يعلم يقيناً أن الله سيظهره ويبديه، وخشي ما الذي سيردده الناس من المرجفين والمنافقين، بل وكيف سيستقبل المجتمع الإسلامي هذا التغيير الكبير؟ كيف يقول الناس: إن محمداً قد تزوج امرأة ابنه وكانت امرأة الابن بالتبني محرمة حتى ولو طلقها الابن بعد ذلك، هذا قانون جاهلي، ولكن الله جل وعلا أراد أن يدك هذا القانون، وأن يحرمه ويغيره.

وخاف النبي عليه الصلاة والسلام أن يواجه المجتمع بهذا التغيير الجذري العميق، ويرجع إليه زيد، فيقول له: (أمسك عليك زوجك واتق الله) بعدما علم يقيناً أنه سيطلقها وأنها ستكون زوجته بأمر الله جل وعلا لإلغاء التبني الذي حرمه الإسلام، ونزل العتاب الشديد -ولو كان النبي كاتماً شيئاً من الوحي لكتمه- نزل قول الله جل وعلا يعاتب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي خشي أن يواجه المجتمع بهذا التغيير الجذري وبهذه القاعدة الجديدة الكبيرة، وأخفى في نفسه هذا الأمر وهو يعلم أن الله سيظهره وسيبديه، نزل قول الله جل وعلا: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:٣٧] بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:٣٧] الأمر والزواج من الله {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب:٣٧] وإذ تقول يا محمد صلى الله عليه وسلم للذي أنعم الله عليه، لـ زيد بن حارثة الذي أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه بالقرب منك وأنعم عليه بتربيتك له في بيتك وعلى مائدتك وبيديك يا رسول الله {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٣٧] بالعتق والتربية، {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:٣٧] وهو أن زيداً سيطلق زينب وتتزوجها من بعده {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب:٣٧] أي شرفٍ هذا الذي أقول؟ أقول: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب:٣٧] هل ذكر اسم زيدٍ في القرآن؟ نعم.

إنه الصحابي الوحيد والرجل الوحيد في أمة المصطفى الذي خلد الله اسمه وذكره في القرآن إلى يوم القيامة.

{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:٣٧] الزواج من الله، تزوج النبي زينب بغير ولي وبغير شاهدٍ وبغير عقد؛ لأن الذي زوجها من فوق سبع سماوات إنما هو الله جل جلاله، فلما نزلت الآيات بعدما طلقت زينب وانقضت عدتها، قام النبي عليه الصلاة والسلام فدخل عليها بيتها بغير إذنٍ ولا ولي ولا شاهد، وكانت زينب تفخر بذلك على زوجات النبي وتقول: [لقد زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات] هذا هو معنى الحديث.

يقول أنس بن مالك -والحديث في صحيح مسلم -: [فلما دخل النبي على زينب بنت جحش ذهبت أدخل معه إلى البيت فأرخى النبي بيني وبينه الستر ونزلت آية الحجاب] وهذه بركة أخرى من بركات زينب رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>