للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محاولات علي بن أبي طالب في إخماد الفتنة]

السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دور علي في هذه الفتنة الصماء البكماء العمياء؟ وانتبهوا -أيها الأحبة الأخيار- فلقد بدأ علي بدور الوساطة الصادقة الأمينة بين عثمان بن عفان وبين الموتورين من الثوار المجرمين الذين حاصروا بيت الخليفة رضي الله عنه, ولكن علياً رأى الفتنة تشتد، ورأى النار تتأجج وتشتعل، ورأى الموتورين من الثوار يحاصرون بيت الخليفة رضي الله عنه وأرضاه, فخرج من بيته معتماً بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلداً سيفه مع نفر من الصحابة من المهاجرين والأنصار؛ من بينهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين وأبو هريرة وغيرهم من موالي عثمان رضي الله عنه، وكانوا تقريباً لا يزيدون على سبعمائة رجل، ولو تركهم عثمان لمنعوه, ولكن عثمان هو الذي رفض أن تهراق قطرة دم واحدة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون سبباً في الفتنة التي لم يغلق بابها بعد.

فدخل علي بن أبي طالب على عثمان في داره وقال: [يا أمير المؤمنين! ما أرى القوم إلا قاتليك فمرنا فلنقاتل]-لا تنسوا هذه العبارة- فقال عثمان الأواب التواب التقي الحيي النقي الذي علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشره بالشهادة بل وجاءه في الليلة السالفة الماضية ليقول له: (أفطر عندنا غداً يا عثمان) وهو ابن الثمانين فلماذا يقاتل؟ ولماذا تهراق الدماء بسببه؟ فنظر عثمان إلى علي وإلى رقيقه ومواليه وقال: [أقسم بالله على كل من لي عليه حق أن يغمد سيفه وأن يكف يده وأن يرجع إلى منزله] , ونظر إلى مواليه وقد شهروا السيوف فقال لهم: [من أغمد سيفه فهو حر] , وهكذا أعلن عثمان قولته الخالدة: [ما أحب أن ألقى الله وفي عنقي قطرة دم لامرئ مسلم] , وآثر الشهادة في سبيل الله وألا تبدأ الفتنة رضي الله عنه وأرضاه.

وانطلق علي بن أبي طالب إلى المسجد فحان وقت الصلاة؛ فقال الناس: تقدم يا أبا الحسن! فصلِّ بالناس فقال: [والله ما كنت لأصلي بكم والإمام محصور] وصلّى علي وحده وتركهم وانصرف, ووقع ما قدر الله جل وعلا وكان؛ فقتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه بعد أن حصره المجرمون في داره وكاد الظمأ أن يقتله لو أمهلوه بضعة أيام, وظلت المدينة خمسة أيام كاملة بلا خليفة، وأميرها الغافقي الوقح قاتل عثمان، وحار الناس واضطرب الأمر، وقال الجميع على صوت رجل واحد: لا يصلح لهذا الأمر إلا علي , وذهب المهاجرون والأنصار فأبى, ثم ذهبوا إليه مرة أخرى فأبى, ثم ذهبوا إليه مرة ثالثة فأبى, فقالوا: إنه واجب! وانقاد علي بن أبي طالب لضغوط المهاجرين والأنصار، وعلم أن هذه التبعة قدر عليه أن يكون هو حاملها، وأن يكون هو رجلها الآن, فمن يحملها إن لم يحملها علي؟ والحق يقال: إنه لم يكن على ظهر الأرض قاطبة بعد عثمان رضي الله عنه من هو أحق بالخلافة من علي رضي الله عنه وأرضاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>