للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مظاهر الانفصام بين المنهج المنير والواقع المرير]

وظل هذا المجتمع -أيها الأحباب- يرفل في ثوب التوحيد والعبودية الكاملة لله جل وعلا، حتى ابتعد هذا المجتمع رويداً رويداً عن أصل عزه، ومعين شرفه، ونبع كرامته، وراح يلهث وراء الشرق الملحد تارة، ووراء الغرب الكافر تارة أخرى، فوقع في هذا الانفصام الذي عنونت له بقولي: الانفصام بين المنهج المنير والواقع المرير، وإليكم بعض مظاهر هذا الانفصام النكد، بين المنهج والواقع: ففي جانب العقيدة، نرى العقيدة اليوم تذبح شر ذبحة على أيدي أبنائها إلا من رحم ربك جل وعلا، فسمعنا ورأينا من يسأل غير الله، ويذبح لغير الله، ومن ينذر لغيره، ومن يستعين بغيره، ومن يلجأ إلى غيره، ومن يفوض الأمر إلى غيره، ومن يتوكل على غيره، ومن يطوف بغير بيته، بل وسمعنا ورأينا على شاشات التلفاز في احتفال مولد السيد البدوي من يقول: إننا الليلة نحتفل بمولد السيد البدوي المهاب، الذي إن دعي في البر والبحر أجاب.

فأين الله؟! أين الله؟! ذبحت العقيدة شر ذبحة، ولوثت العقيدة ودنس التوحيد، وصرفت العقيدة والعبادة لغير الله العزيز الحميد، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (من ذبح لغير الله فقد أشرك، ومن نذر لغير الله فقد أشرك، ومن حلف بغير الله فقد أشرك) ويوصي ابن عباس وصيته الخالدة: (يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)

يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله

وإذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله

الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن الصانع الله

والله ما لك غير الله من أحد فحسبك الله في كلٍ لك الله

إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وقل لربك بقلبك وجوارحك ولسانك وعملك: اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، وأبرأ من الأمل إلا فيك، وأبرأ من التسليم إلا لك، وأبرأ من التفويض إلا إليك، وأبرأ من التوكل إلا عليك، وأبرأ من الصبر إلا على بابك، وأبرأ من الذل إلا في طاعتك، وأبرأ من الرهبة إلا لجلالك العظيم، وأبرأ من الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين، اللهم تتابع برك، واتصل خيرك، وكمل عطاؤك، وعمت فضائلك، وتمت نوافلك، وبر قسمك، وصدق وعدك، وحق على أعدائك وعيدك ووعدك، ولم تبق حاجة لنا إلا قضيتها ويسرتها يا أرحم الراحمين! أخلصوا العبادة لله، فمن مظاهر الانفصام في جانب العقيدة، أننا نرى العقيدة قد ذبحت شر ذبحة على يد أبنائها إلا من رحم ربك جل وعلا.

وفي جانب العبادة: نرى كثيراً من الناس قد صرف العبادة لغير الله، بل ومن أبناء الأمة من يدعي الآن ويقول: إنني ممن يعتقد أن للكون أقطاباً وأوتاداً وأبدالاً تسير شئونه وتدبر نظامه، والله سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:١٥٤] الملك ملكه، والكون كونه، والأمر كله له، لا تسأل أحداً دونه ولا غيره، حتى ولو كان الحبيب صلى الله عليه وسلم.

وفي جانب التشريع: وقعت الطامة الكبرى التي لم تكن تخطر لأحد ألبتة على بال، نعم فلقد نحي شرع الله جل وعلا، ووقع في الأرض المنكر الأكبر، بتنحية شرع الله وتحكيم القوانين الوضعية الكافرة الجائرة، واستبدل المسلمون بالعبير بعراً، وبالثريا ثرى، والرحيق المختوم حريقاً محقاً مدمراً، يوم أن نحّو شريعة الله واستبدلوا بها شريعة المهازيل من البشر من العلمانيين والديمقراطيين والشيوعيين، وأصحاب الأهواء والشبهات والشهوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله رب الأرض والسماوات.

أما في جانب الأخلاق والسلوك والمعاملات حدث عن هذا الانفصام ولا حرج، فإن هذا الانفصام النكد في جانب الأخلاق والمعاملات والسلوك إنما هو أمر حتمي، وهي نتيجة حتمية للتخلف العقدي والتعبدي والتشريعي مع غياب المنهج التربوي الأصيل المنبثق من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة.

كذلك في الجانب النفسي نرى هزيمةً نفسيهً مدمرةً ومنكرةً.

هذه -أيها الأحبة- بعض مظاهر الانفصام النكد، بين المنهج المنير والواقع المرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>