للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ضرورة جعل أخلاقه صلى الله عليه وسلم منهج حياة]

مشاهد السيرة مشاهد رقراقة، وأنا لا أسوقها لمجرد الاستمتاع السلبي؛ لأنه يؤلمني جداً أن كثيراً من أحبابنا وإخواننا حينما يستمعون إلى مثل هذه النماذج الفريدة من أخلاق الحبيب يقول: يا سلام، كان يا مكان، على عهد النبي عليه الصلاة والسلام.

قد استمعنا إلى قصة عنترة بن شداد أو إلى قصة الزير سالم أو إلى قصة أبي زيد الهلالي، وكأننا لسنا ملزمين بأن نحول هذه الأخلاق الراقية الرائعة في حياتنا إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة.

حبر من أحبار اليهود، أي: عالم من علمائهم اسمه زيد بن سعنة، روى قوله الطبراني بسند رجاله ثقات، ذكر هذا الرجل أنهم يعرفون أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، ويعرفون صفته؛ لأن التوراة بشرت برسول الله وذكرت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٤٦] ، وكذا ذكر عبد الله بن سلام، حبر اليهود الأعظم، الذي أسلم حينما وصل النبي من مكة إلى المدينة مهاجراً، يقول عبد الله بن سلام: (فلما نظرت إلى وجه النبي عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب) ، وسأل النبي عليه الصلاة والسلام أسئلة غيبية -والحديث في الصحيحين- قال: (إن أجبتني عنها؛ عرفت أنك نبي؛ لأنه لا يعرف الجواب عنها إلا نبي، قال: سل! قال: ما هو أول طعام لأهل الجنة؟ وما هي أول علامات الساعة؟ ومتى ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ -يعني: متى يكون المولود ذكراً، ومتى يكون المولود أنثى؟ - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن سلام: لقد أخبرني بالجواب جبريل آنفاً، أما أول طعام لأهل الجنة: فزيادة كبد الحوت، وأما أول علامات الساعة فنار تخرج من المشرق؛ لتطرد الناس إلى محشرهم، ثم ذكر متى ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه) ؛ وهذه المعلومة الأخيرة لم يعرفها العلم الحديث إلا في السنوات الماضية، وقد أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل مئات السنين عليه الصلاة والسلام، وصدق ربي إذ يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:٣-٥] ، قال في الحديث: (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان ذكراً بإذن الله، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بإذن الله) ، وفي لفظٍ: (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة؛ أذكرا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل؛ آنثا بإذن الله) .

قال عبد الله بن سلام: (والله إني لأقر لمحمدٍ بالنبوة أكثر مما أقر لابني بالبنوة) ، عبارة عالية جداً: (والله إني لأقر لمحمد بالنبوة أكثر مما أقر لابني بالبنوة) ؛ لأن الذي شهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو الله جل وعلا، وهو أصدق القائلين: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:١٢٢] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:٨٧] ، لا أحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>