للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أمثلة لما وقع مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم]

سأضرب بعض الأمثلة في هذا الموضوع، فقد قال صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم -: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) ، وهذا غيب لم يكن وقع بعد، (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) ، فهل جاء كسرى بعد كسرى؟ لم يحصل، وقال: (إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) ، فهل جاء قيصر بعد قيصر؟ لا.

وقال: (والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) جيء بتاج كسرى، وجيء بأموال قيصر إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنفقت كنوزهما في سبيل الله كما أخبر الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس) .

وانظر إلى الصنف الثاني، يصفه النبي وصفاً عجيباً، قال: (ونساء كاسيات عاريات) صنف لم يكن موجود أبداً (كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) ، وهذا بغير شك إن لم يتبن إلى الله تبارك وتعالى، فانظر إلى هذا الوصف الدقيق (نساء كاسيات عاريات) إما أن يكون الثوب عارياً، وإما أن يكون الثوب شفافاً، وإما أن يكون ضيقاً يجسد كل فتنة في جسم المرأة، (كاسيات عاريات) انظر إلى هذا الوصف النبوي البليغ! (مائلات مميلات) تتمايل في مشيتها فتميل قلوب الرجال.

(رؤوسهن كأسنمة البخت) والبخت: نوع من أنواع الجمال الخراسانية التي كانت من أغلى ما يمتلكه العربي في أرض الجزيرة العربية والجزء الذي على ظهر الجمل اسمه سنام، سنام البعير، أو سنام الإبل، فإذا كبر البعير وصار لا يحمل يميل سنامه إذا كان فارغاً، فيشبه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرأس الفارغ من الدين والإيمان والحياء والخلق بهذا السنام الفارغ، أو أنها ترفع شعرها على رأسها بصورة تشبه السنام المرتفع على ظهر البعير، فهذا وصفٌ ما كان في عهده صلى الله عليه وسلم.

فهذا الواقع الذي تحياه أمتنا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً.

وها أنت ترى الآن معي أن الأمة قد تحولت إلى قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وتسابقت كل أمم الأرض لتأخذ ولتنهب من هذه القصعة المستباحة ما تقدر عليه، وانظر إلى ما قال النبي في ذلك، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام أبو داود وغيرهما بسند صحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك-و (يوشك) للقريب- أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: كلا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا وكراهية الموت) ، فهل هذا واقع؟ إنه واقع بصورة جلية.

وكذلك ما تراه من أخلاق مقلوبة أخبر عنها الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، فتدبر معي هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام الحاكم في مستدركه بسند صحيح، وأقر الحاكم الذهبي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: من الروبيضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه -وفي لفظ صحيح: الرجل السفيه- يتكلم في أمر العامة) ، فانظر إلى هذا الواقع الذي يجسده الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.

إذاً: فما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء في الماضي أنه سيقع في الحاضر وفي المستقبل إن شاء الله إلا ووقع وسيقع بمثل ما أخبر به الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

وقد ينكر بعض الناس ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أنه علم أو نظرية علمية، وأريد أن أقول لإخواني وأخواتي بأن العالم الإنجليزي الشهير سيرجف يقول كلاماً معتبراً جداً، يقول: إن كل ما يقدمه العلم الحديث إلى يومنا هذا ما هو إلا مجرد احتمالات.

احتمالات صحيحة في نظريات علمية ظهرت وصارت حقائق لا ننكرها، لكن النظرية من الممكن أن تخرج نظرية أخرى لتهدمها، أو على الأقل لتنقض شيئا منها، أو على الأقل لتزيد ولتضيف إليها ولتخطئ بعضها، فهذا واقع نحياه، لكن العلم الذي هو اليقين المطلق هو كل علم ثابت عن الله وعن الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسأضرب لذلك مثالاً: يقول النبي عليه الصلاة والسلام -كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه-: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات، أولاهن -أو: إحداهن- بالتراب) -وفي لفظ-: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب) ، فالتراب ما سمعنا عنه من قبل أنه من المنظفات، فما هو الإناء الذي تغسله بالتراب يا أخي؟ هذا كلام يرده العقل تماماً، وربما ترى من أحبابنا وإخواننا من يستحلفنا بالله أن لا نذكر هذا حتى لا نتهم في عقولنا لأننا نعيش العصور الوسطى، فيخرج علينا عالم إنجليزي ما زال حياً يرزق يدعى: أليسن ما استطاع أن يطهر الإناء من كل أنواع هذه الجراثيم، فلما جربنا ما وصلنا عن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وغسلنا هذا الإناء مرة بالتراب ما وجدنا أثراً لجرثومة واحدة في هذا الإناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>