للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من كذب برسول فقد كذب جميع الرسل]

تدبر معي قول الله جل وعلا: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٨١] ، فهناك عهد وميثاق أخذه الله عز وجل على كل الأنبياء والرسل، إن بعث الله فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وأن ينصروه وأن يتبعوه، فلا يصح لأحد دين إلا إن وحد الله وآمن بأنبياء الله ورسله وآمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وتدبر معي القرآن الكريم، فمن المعلوم أنه ما أرسل الله إلى قوم نوح إلا نوحاً، وما كذب قوم نوح إلا نوحاً عليه السلام، لكن تدبر القرآن؛ فربنا يعبر عن هذه القضية بهذه الكلمات الجميلة، فيقول تبارك وتعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٠٥] ، كيف هذا وهو مرسل واحد وهو نوح، تدبر القرآن، {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٠٥] .

ومن المعلوم أن قوم لوط ما كذبوا إلا لوطاً، لكن ماذا يقول رب العزة؟ قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٦٠] .

ومن المعلوم أن عاداً ما كذبوا إلا هوداً عليه السلام، لكن ماذا قال ربنا؟ {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٢٣] .

ومن المعلوم أن ثمود ما كذبوا إلا صالحاً عليه السلام، ومع ذلك قال الله عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٤١] كيف هذا؟! ما هذا التعبير البديع؟! لأن من كذب نبياً واحداً من أنبياء الله فقد كذب أنبياء الله جميعاً، ومن كفر بنبي واحد من أنبياء الله جل وعلا فقد كفر بجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، من أجل ذلك قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٠٥] ، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٦٠] ، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٢٣] ، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٤١] .

وتدبر معي هذه الآية الجميلة من آيات سورة النساء، قال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:١٥٠-١٥١] .

انظر إلى حكم الله في هؤلاء: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:١٥١] ، فمن آمن بالله جل وعلا وكفر بنبي واحد من أنبياء الله فقد كفر بالله وبجميع النبيين والمرسلين، فمن آمن بالله تبارك وتعالى وجب عليه أن يؤمن بالله ورسله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥] لا ينبغي لنا أبداً أن نفرق بين أنبياء الله ورسله في أصل الإيمان.

وقد تسألني وتقول: أنا أفهم أن الله قد فضل بعض الأنبياء على بعض، فهذه القضية أخرى، لكنني أتحدث عن عدم التفرقة بين أنبياء الله ورسله في أصل الإيمان، فلا ينبغي لك، ولا يصح لي ولا لك ولا لأي أحد من إخواننا دين إلا إن آمن بالله جل وعلا، وآمن بنبي الله نوح، وآمن بنبي الله إبراهيم، وآمن بنبي الله موسى، وآمن بنبي الله عيسى، وآمن بنبي الله محمد، وآمن بجميع أنبياء الله ورسله، من قصهم الله علينا ومن لم يقصص ربنا تبارك وتعالى علينا.

قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) .

<<  <  ج: ص:  >  >>